ملتقى الجزائريين والعرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة ( القلم ) الجزء الثاني

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

م3 تفسير سورة ( القلم ) الجزء الثاني

مُساهمة من طرف كنزالمعرفة السبت 28 فبراير - 9:32:10

﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ أَْيْ نَزَّهُوا اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَيْ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِنَا"، ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أَيْ لأَِنْفُسِنَا مِنْ مَنْعِنَا الْمَسَاكِينَ مِنْ ثَمَرِ جَنَّتِنَا.

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَقُولُ هَذَا لِهَذَا: "أَنْتَ أَشَرْتَ عَلَيْنَا بِهَذَا الرَّأْيِ"، وَيَقُولُ ذَلِكَ لِهَذَا: "أَنْتَ خَوَّفْتَنَا مِنَ الْفَقْرِ"، وَيَقُولُ الثَّالِثُ لِغَيْرِهِ: "أَنْتَ رَغَّبْتَنَا فِي جَمْعِ الْمَالِ"، ثُمَّ نَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ.

﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ أَيْ هَلاَكَنَا ﴿إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ أَيْ مُخَالِفِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِنَا الاِسْتِثْنَاءَ وَمَنْعِنَا حَقَّ الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ رَجَوُا انْتِظَارَ الْفَرَجِ فِي أَنْ يُبَدِّلَهُمْ خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الْجَنَّةِ فَقَالُوا:

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا﴾ أَيْ مِنْ هَذَهِ الْجَنَّةِ ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ أَيْ طَالِبُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُبْدِلَنَا مِنْ جَنَّتِنَا إِذْ هَلَكَتْ خَيْرًا مِنْهَا.

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ أَيْ عَذَابُ الدُّنْيَا الَّذِي بَلَوْنَا بِهِ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ مِنْ إِهْلاَكِ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ كَالصَّريِمِ.

﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ يَعْنِي عُقُوبَةُ الآخِرَةِ لِمَنْ عَصَى رَبَّهُ وَكَفَرَ بِهِ أَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِهَا ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ لأَِهْلِ الشِّرْكِ بِهِ أَكْبَرُ مِنْ عُقُوبَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لاَرْتَدَعُوا وَتَابُوا وَأَنَابُوا.

ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَعَدَّ لِلْمُتَّقِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقينَ﴾ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُجْتَنِبِينَ لِلشِّرْكِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَالتَّقِيُّ هُوَ الَّذِي أَدَّى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ وَاجْتَنَبَ مَا حَرَّمَهُ، فَهَؤُلاَءِ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فِي الآخِرَةِ ﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أَيِ النَّعِيمَ الدَّائِمَ الَّذِي لاَ يَشُوبُهُ مَا يُنَغِّصُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [سُورَةَ الْكَهْفِ]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، وَقَالَ أَيْضًا: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَافِ] » [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ].

وَلَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَنُعْطَى فِي الآخِرَةِ أَفْضَلُ مِمَّا تُعْطَوْنَ قَالَ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ:

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ أَيْ لاَ يَتَسَاوَى عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَذَلُّوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْكَافِرِينَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ تَوْقِيفٌ عَلَى خَطَإِ مَا قَالُوا وَتَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ لِلْكُفَّارِ.

ثُمَّ وَبَّخَهُمْ فَقَالَ: ﴿ما لكُمْ﴾ أَيْ أَيُّ شَىءٍ لَكُمْ فِيمَا تَزْعُمُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَيْهِمْ ﴿كَيْفَ تَحكُمونَ﴾ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ ثَالِثٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الآيَةِ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ هَذَا الْحُكْمَ الْفَاسِدَ، كَأَنَّ أَمْرَ الْجَزَاءِ مُفَوَّضٌ إِلَيْكُمْ حَتَّى تَحْكُمُوا فِيهِ بِمَا شِئْتُمْ أَنَّ لَكُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَادِرٌ مِنِ اخْتِلاَلِ فِكْرٍ وَاعْوِجَاجٍ رَأْيٍ.

﴿أَمْ لَكُمْ﴾ أَيْ أَلَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِتَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ فِي الْجَزَاءِ وَالْمَنْزِلَةِ ﴿كِتَابٌ﴾ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَتَاكُمْ بِهِ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ ﴿فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ أَيْ تَقْرَءُونَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ أَيْ إِنَّ مَا تَخْتَارُونَهُ وَتَشْتَهُونَهُ لَكُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ. وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو عِمْرَانَ: ﴿أَنَّ لَكُمْ﴾ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

﴿أَمْ لَكُمْ﴾ أَيْ أَلَكُمْ ﴿أَيْمَانٌ عَلَيْنَا﴾ أَيْ أَقْسَامٌ وَعُهُودٌ وَمَوَاثِيقُ عَاهَدْنَاكُمْ عَلَيْهَا فَاسْتَوْثَقُتْمْ بِهَا مِنَّا بَالِغَةٌ أَيْ ﴿بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ مُؤَكَّدَةٌ تَنْتَهِي بِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الأَيْمَانُ وَالْعُهُودُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿إِنَّ لَكُمْ﴾ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ ﴿لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ حُكْمَكُمْ، وَالْقُرَّاءُ عَلَى رَفْعِ: ﴿بَالِغَةٌ﴾ إِلاَّ الْحَسَنُ فَإِنَّهُ نَصَبَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَصْدَرِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ:

﴿سَلْهُمْ﴾ أَيْ سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ وَقُلْ لَهُمْ ﴿أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ الزَّعِيمُ: الْكَفِيلُ، أَيْ أَيُّهُمْ كَفِيلٌ وَضَامِنٌ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ﴾ وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ:

الأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ أَشْيَاءُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا شُرَكَاءُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الشُّرَكَاءَ يَجْعَلُونَهُمْ فِي الآخِرَةِ مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ وَالْخَلاَصِ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ هُمْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى.

الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ نَاسٌ يُشَارِكُونَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُجْرِمِ وَأَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ فِي الآخِرَةِ.

﴿فَلْيَأْتُوا﴾ هَذَا أَمْرٌ مَعْنَاهُ التَّعْجِيزُ أَيْ لاَ أَحَدَ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا أَنَّهُ لاَ كِتَابَ لَهُمْ وَلاَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَلاَ زَعِيمَ لَهُمْ يَضْمَنُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ بِهَذَا ﴿بِشُرَكَآئِهِمْ﴾ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا زَعَمُوا ﴿إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ فِي دَعْوَاهُمْ.

إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَبْطَلَ قَوْلَهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ وَجْهَ لِصِحَّتِهِ أَصْلاً أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: ﴿يَوْمَ﴾ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، يُقَالُ: "كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقٍ إِذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهَا"، وَثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ تَرْجُمَانِ الْقُرْءَانِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَهِ الآيَةِ: "عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الأَمْرِ"، وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "هُوَ يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ". وَقَالَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ إِنَّ لِلَّهِ سَاقًا يَكْشِفُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مِنْ رُءُوسِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي هِيَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: "وَتَعَالَى - أَيِ اللَّهُ - عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ" ا.هـ.

﴿وَيُدْعَوْنَ﴾ أَيِ الْكُفَّاُر ﴿إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمْ سَفَافِيدَ الْحَدِيدِ، وَالدُّعَاءُ إِلَى السُّجُودِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَعِنْدَمَا يُدْعُونَ إِلَى السُّجُودِ سُلِبُوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الاِسْتِطَاعَةِ حَتَّى يَزْدَادَ حُزْنُهُمْ وَنَدَمُهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ حِينَ دُعُوا إِلَيْهِ وَهُمْ سَالِمُو الأَطْرَافِ وَالْمَفَاصِلِ.

﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ أَيْ ذَلِيلَةً وَخَاضِعَةً ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أَيْ تَغْشَاهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَتَسْوَّدُ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا ﴿إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ أَيْ مُعَافَوْنَ أَصِحَّاءَ.

﴿فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ أَيِ الْقُرْءَانِ، وَالْمَعْنَى: كِلْ يَا مُحَمَّدُ أَمْرَ هَؤُلاَءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْءَانِ إِلَيَّ أَكْفِكَ أَمْرَهُ، أَيْ حَسْبُكَ فِي الإِيقَاعِ بِهِمْ وَالاِنْتِقَامِ مِنْهُمْ أَنْ تَكِلَ أَمْرَهُمْ إِلَيَّ فَإِنِّي عَالِمٌ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: "زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ فَلاَ نَسْخَ" ا.هـ.

﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ أَيْ نَأْخُذُهُمْ دَرَجَةً دَرَجَةً وَذَلِكَ إِدْنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّىءِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْنِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ دَرَجَةً دَرَجَةً حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيهِ ﴿مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ وَاسْتِدْرَاجُ اللَّهِ تَعَالَى الْعُصَاةَ أَنْ يَرْزُقَهُمُ الصِّحَّةَ وَيَفْتَحَ بَابًا مِنَ النِّعْمَةِ يَغْتَبِطُونَ بِهِ وَيَرْكُنُونَ إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ تَفْضِيلاً لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لإِهْلاَكِهِمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ كُلَّمَا ازْدَادَ ذَنْبًا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ نِعْمَةٌ وَأَنْسَاهُ التَّوْبَةَ وَالاِسْتِغْفَارَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجًا بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ الْعَبْدُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ.

﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أَيْ أَمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ لَهُمُ الْمُدَّةَ ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ إِنَّ عَذَابِي لَقَوِيٌّ شَدِيدٌ.

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ﴾ أَيْ أَتَسْأَلُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ وَدَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِن الْحَقِّ ﴿أَجْرًا﴾ أَيْ ثَوَابًا وَجَزَاءً ﴿فَهُم مِّنْ مَّغْرَمٍ﴾ أَيْ مِنْ أَنْ يَغْرَمُوا لَكَ الأَجْرَ ﴿مُّثْقَلُونَ﴾ قَدْ أَثْقَلَهُمُ الْقِيَامُ بِأَدَائِهِ، وَمَعْنَى الآيَةِ: أَتَطْلُبُ مِنْهُمْ أَجْرًا فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ حَمْلُ الْغَرَامَاتِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَيُثْبِطَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الإيِمَانِ فَلاَ يُؤْمِنُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِّ أَيْ لَسْتَ تَطْلُبُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ.

﴿أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ﴾ أَيِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ الْغَيْبُ ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ مِنْهُ مَا يَقُولُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ.

﴿فَاصْبِرْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أَيْ لِقَضَاءِ رَبِّكَ الَّذِي هُوَ ءَاتٍ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ وَلاَ يُثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ وَأَذَاهُمْ لَكَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: "قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ" ا.هـ ثُمَّ رَدَّهُ أَيِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

﴿وَلاَ تَكُنْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ وَهُوَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي حَبِسَهُ الْحُوتُ فِي بَطْنِهِ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْعِرَاقِ امْتِثَالاً لأَِمْرِ اللَّهِ لِيُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَدَعَا هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى دِينِ الإِسْلاَمِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، كَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَتِهِ، وَبَقِيَ يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ صَابِرًا عَلَى الأَذَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَيُذَكِّرُهُمْ وَيَعِظُهُمْ، وَلَكِنَّهُ مَعَ طُولِ مُكْثِهِ مَعَهُمْ لَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ عِنَادًا وَإِصْرَارًا عَلَى كُفْرِهِمْ وَوَجَدَ فِيهِمْ ءَاذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَوَقَفُوا مُعَارِضِينَ لِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَيِسَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْهُمْ بَعْدَمَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَخَرَجَ مِنْ أَظْهُرِهِمْ وَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَنْ يُؤَاخِذَهُ عَلَى هَذَا الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لأَِهْلِ هَذَهِ الْقَرْيَةِ وَهَجْرِهِ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْخُرُوجِ. وَلَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ يُونُسَ مَا أَصَابَهُ مِنِ ابْتِلاَعِ الْحُوتِ عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ حَصَلَ لَهُ ابْتِلاَءً لَهُ بِسَبَبِ اسْتِعْجَالِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِدُونِ إِذْنِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ تَائِبِينَ إِلَيْهِ فَمَكَثَ مَعَهُمْ يُعَلِّمُهُمْ وَيُرْشِدُهُمْ.

فَائِدَةٌ: سَيِّدُنا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ لأَِنَّهُمْ كَذَّبُوهُ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِدَعْوَتِهِ وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ وَضَلاَلٌ، لاَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لأَِنْبِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ هُدَاةٌ مُهْتَدِينَ عَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَى يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِلَّهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَنَسَبَ إِلَيْهِ الْجَهْلُ بِاللَّهِ وَالْكُفْرُ بِهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ لأَِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا.

﴿إِذْ نَادَى﴾ حِينَ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَقَالَ: »لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ« ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ أَيْ مَمْلُوءٌ غَيْظًا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الإيِمَانِ وَأَحْوَجُوهُ إِلَى اسْتِعْجَالِ مُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُمْ.

﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ﴾ أَيْ أَدْرَكَهُ ﴿نِعْمَةٌ﴾ أَيْ رَحْمَةٌ ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ أَيْ لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ وَقَبُولِ عُذْرِهِ ﴿لَنُبِذَ﴾ أَيْ لَطُرِحَ مِنَ بَطْنِ الْحُوتِ ﴿بِالْعَرَآءِ﴾ أَيْ بِالأَرْضِ الْوَاسِعَةِ الْفَضَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ يَسْتُرُ ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ أَيْ مُلِيمٌ وَلَكِنَّهُ رُحِمَ فَنُبِذَ غَيْرَ مَذْمُومٍ لأَِنَّهُ تِيْبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: ﴿لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ﴾ بِتَاءٍ خَفِيفَةٍ وَبِتَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ: ﴿تَدَارَكَهُ﴾ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ مَعَ تَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أُبَيْ بنُ كَعْبٍ: ﴿تَتَدَارَكَهُ﴾ بِتَائَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ أَيِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أَيْ مِنَ الْمُسْتَكْمِلِينَ لِصِفَاتِ الصَّلاَحِ، وَقِيلَ مِنَ النَّبِيِّينَ.

﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ وَفِي مَعْنَى الآيَةِ لِلْمُفَسِّريِنَ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكُفَّارَ قَصَدُوا أَنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكُفَّارَ مِنْ شِدَّةِ إِبْغَاضِهِمْ لَكَ وَعَدَاوَتِهِمْ يَكَادُونَ بِنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ نَظَرَ الْبَغْضَاءِ أَنْ يُزْلِقَهُ مِنْ شِدَّتِهِ، يُقَالُ نَظَرَ فُلاَنٌ إِلَيَّ نَظَرًا كَادَ يَأْكُلُنِي وَكَادَ يَصْرَعُنِي. وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، أَيِ الإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ شَىءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّآمَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَآمَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لآمَّةٍ». وَقَرَأَ الأَكْثَرُونَ: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بِضَمِّ اليَّاءِ مِنْ أَزْلَقْتُهُ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبَانُ بِفَتْحِهَا مِنْ زَلَقْتُهُ أَزْلِقُهُ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ.

﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ أَيْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى وَهُوَ الْقُرْءَانُ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ إِذَا رَأَوْهُ يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ يَقُولُونَ ذَلِكَ تَنْفِيرًا عَنْهُ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمُّهُمْ فَضْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً، قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ ﴿وَمَا هُوَ﴾ يَعْنِي الْقُرْءَانَ ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أَيْ مَوْعِظَةٌ لِلإِنْسِ وَالْجِنِّ يَتَّعِظُونَ بِهِ وَيَسْتَنْبِطُونَ مِنْهُ صَلاَحَ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَمَنْ كَانَ يُظْهِرُ مِثْلَ هَذَا الَّذِي فِيهِ الْهُدَى وَالْحَقُّ وَالْعَدْلُ وَالسَّعَادَةُ الأُخْرَوِيَّةُ وَيَتْلُوهُ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَيْفَ يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الأُمُورِ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُصُورَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَهْلِهِ وَخَيْبَتِهِ فَإِنَّ ذَا الْفَضْلِ لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ ذَوُوهُ، وَلَقَدْ قِيلَ:

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ فَلاَ غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِرٌ




كنزالمعرفة
عضو نشيط
عضو  نشيط

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 262
تاريخ الميلاد : 01/01/1970
العمر : 54

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى