ملتقى الجزائريين والعرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة ( القلم ) الجزء الاول

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

م3 تفسير سورة ( القلم ) الجزء الاول

مُساهمة من طرف كنزالمعرفة السبت 28 فبراير - 9:29:21


سُـورَةُ الْـقَـلَـمِ

مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ ءَايَةً

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـٰنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَآ أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (Cool وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَّبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَآئِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِن مَّغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلآ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)

مُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ فِيمَا قَبْلَهَا ذَكَرَ اللَّهُ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالأَشْقِيَاءِ، وَذَكَرَ قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَعِلْمَهُ الْوَاسِعَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَخَسَفَ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ لأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، وَكَانَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ مَا تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنْسُبُونَهُ مَرَّةً إِلَى الشِّعْرِ وَمَرَّةً إِلَى السِّحْرِ وَمَرَّةً إِلَى الْجُنُونِ، فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِبَرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْجُنُونِ، وَتَعْظِيمِ أَجْرِهِ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى أَذَاهُمْ وَبِالثَّنَاءِ عَلَى خُلُقِهِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿ن﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِظْهَارِ النُّونِ أَيْ بِفَكِّ الإِدْغَامِ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَيَعْقُوبُ بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْوَاوِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالأَعْمَشُ: ﴿نُونِ وَالْقَلَمِ﴾ بِكَسْرِ النُّونِ، وَهُوَ أَحَدُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ ﴿وَالْقَلَمِ﴾ الْوَاوُ وَاوُ الْقَسَمِ، أَيْ يُقْسِمُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلَمِ، وَالْقَلَمُ مَعْرُوفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا مِنَ الأَقْلاَمِ الْقَلَمُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَهُ فَجَرَى بِكِتَابَةِ جَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الآجَالِ وَالأَعْمَالِ وَالأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أَيْ وَمَا يَكْتُبُونَ، وَالْمَعْنَى مَا تَكْتُبُهُ الْمَلاَئِكَةُ الْحَفَظَةُ مِنَ أَعْمَالِ بَنِي ءَادَمَ.

﴿مَآ أَنتَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ أَيْ بَسَبَبِ نِعْمَةِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالْبَنِينِ وَالنُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِا ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ شَيْطَانٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿مَآ أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أَيْ وَمَا أَنْتَ بِإِنْعَامِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالنُّبُوَّةِ بِمَجْنُونٍ، وَنِعَمُ اللَّهِ ظَاهِرَةٌ عَلَيْكَ مِنَ الْفَصَاحَةِ التَّامَّةِ وَالْعَقْلِ الْكَامِلِ وَالسِّيرَةِ الْمُرْضِيَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ وَتَكْذِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ مَجْنُونٌ.

﴿وَإِنَّ لَكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لأَجْرًا﴾ أَيْ ثَوَابًا مِنَ اللَّهِ عَظِيمًا عَلَى صَبْرِكَ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاكَ فَلاَ يَمْنَعُكَ مَا قَالُوا عَنْ دُعَاءِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ.

﴿وَإِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْءَانُ»، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ لَعَلَى الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْءَانِ.

﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ أَيْ فَسَتَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ ﴿وَيُبْصِرُونَ﴾ وَسَيَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.

﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ أَبِالْفِرْقَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ بِالْفِرْقَةِ الأُخْرَى، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿هُوَ أَعْلَمُ﴾ أَيْ عَالِمٌ ﴿بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أَيْ حَادَ عَنْ دِينِهِ ﴿وَهُوَ﴾ أَيِ اللَّهُ ﴿أَعْلَمُ﴾ أَيْ عَالِمٌ ﴿بِالْمُهْتَدِينَ﴾ الَّذِي هُمْ عَلَى الْهُدَى فَيُجَازِي كُلاًّ غَدًا بِعِلْمِهِ.

﴿فَلاَ تُطِعِ﴾ يَا مُحَمَّدُ وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ دَعَوْهُ إِلَى دِينِهِمْ ﴿الْمُكَذِّبِينَ﴾ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ طَوَاعِيَتِهِمْ فِي شَىْءٍ مِمَّا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُ وَمِنْ تَعْظِيمِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

﴿وَدُّوا﴾ أَيْ تَمَنَوْا ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ أَيْ تَلِينُ لَهُمْ ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ أَيْ يَلِينُونَ لَكَ، وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُمْ تَمَنَوْا أَنْ تَتْرُكَ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ يَرْضَوْنَهُ مُصَانَعَةً لَهُمْ فَيَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَتْرُكُوا بَعْضَ مَا لاَ تَرْضَى بِهِ فَتَلِينُ لَهُمْ وَيَلِينُوا لَكَ.

﴿وَلا تُطِعْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ ﴿كُلَّ حَلاَّفٍ﴾ أَيْ كُلَّ ذِي إِكْثَارٍ لِلْحَلِفِ بِالْبَاطِلِ ﴿مَّهِينٍ﴾ أَيْ حَقِيرٍ فِي الرَّأْيِ وَالتَّمْيِيزِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَهِينٌ أَيْ كَذَّابٌ لأَِنَّ الإِنْسَانَ إِنَّمَا يَكْذِبُ لِمَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا نَصُّهُ : "اخْتُلِفَ فِي الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ فَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بنُ الْمُغِيرَةِ وَذَكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَلاَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ ذَكَرَهُ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَخْنَسُ بنُ شَرِيقٍ وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْقُتَيْبِيِّ، وَحَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: يُقَالُ: هُوَ الأَخْنَسُ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ الأَسْوَدُ وَلَيْسَ بِهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَبْدُ ٱلرَّحْمـٰنِ بنُ الأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْلَمَ، وَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ" ا.هـ.

﴿هَمَّازٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ الْمُغْتَابُ"، وَالْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَهُ مِمَّا فِيهِ فِي خَلْفِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».

﴿مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ أَيْ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُمْ، وَالنَّمِيمَةُ هِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ لِلإِفْسَادِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ.

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَيْرَ هُنَا يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْرٌ، قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ، وَقِيلَ: بَخِيلٍ بِالْمَالِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ وَلَدَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَنِ الإِسْلاَمِ يَقُولُ لَهُمْ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ لاَ أَنْفَعُهُ بِشَىءٍ أَبَدًا.

﴿مُعْتَدٍ﴾ أَيْ عَلَى النَّاسِ فِي الظُّلْمِ مُتَجَاوِزٍ لِلْحَدِّ صَاحِبِ بَاطِلٍ ﴿أَثِيمٍ﴾ كَثِيرِ الآثَامِ.

﴿عُتُلٍّ﴾ أَيِ الْغَلِيظِ الْجَافِي، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْتُلُ النَّاسَ أَيْ يَحْمِلُهُمْ وَيَجُرُّهُمْ إِلَى مَا يَكْرَهُونَ مِنْ حَبْسٍ وَضَرْبٍ، وَقِيلَ: الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الْفَاحِشِ اللَّئِيمِ، وَقِيلَ: الأَكُولِ الشَّرُوبِ الْغَشُومِ الظَّلُومِ.

﴿بَعْدَ﴾ أَيْ مَعَ ﴿ذَلِكَ﴾ فَهُوَ ﴿زَنِيمٍ﴾ وَالْمَعْنَى: مَعَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ فَهُوَ زَنِيمٌ، وَالزَّنِيمُ هُوَ الدَّعِيُّ فِي قُرَيْشٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا وَهِيَ الْمُتَدَلِيَّةُ مِنْ أُذُنِهَا وَمِنَ الْحَلْقِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ قَالَ: "رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ" ا.هـ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ فَلَمْ نَعْرِفْهُ - أَيْ لِلْوَلِيدِ بنِ الْمُغِيرَةِ - حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿زَنِيمٍ﴾ فَعَرَفْنَاهُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ.

﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: ﴿أَنْ كَانَ﴾ عَلَى الْخَيْرِ، أَيْ لأَنْ كَانَ، وَالْمَعْنَى لاَ تُطِعْهُ لِمَالِهِ وَبَنِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَمْزَتَيْنِ: الأُولَى مُخَفَّفَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُلَيَّنَةٌ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: "أَأَنْ كَانَ" بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ عَلَى الاِسْتِفْهَامِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ تُطِيعُهُ وَهَذَا تَقْرِيعٌ لِهَذَا الْحَلاَّفِ الْمَهِين، وَالثَّانِي: أَلأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍ.

﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَا﴾ أَيِ الْقُرْءَانِ ﴿قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أَيْ قَالَ: أَبَاطِيلُهُمْ وَتُرَّهَاتُهُمْ وَخُرَافَاتُهُمْ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّمَا هُوَ اسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِنْكَارٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ ذَكَرَ مَا يُفْعَلَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَعُّدِ فَقَالَ تَعَالَى:

﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ السِّمَةُ: الْعَلاَمَةُ، وَالْخُرْطُومُ: الأَنْفُ، وَالْمَعْنَى: سَنُبَيِّنُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا حَتَّى يَعْرِفُوهُ فَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا لاَ تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخُرْطُومِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: سَنَجْعَلُ عَلَى أَنْفِهِ عَلاَمَةً يُعَيَّرُ بِهَا مَا عَاشَ، فَخُطِمَ بِالسَّيْفِ، يُقَالُ خَطَمَهُ إِذَا أَثَّرَ فِي أَنْفِهِ جِرَاحَةٌ، فَجُمِعَ لَهُ مَعَ بَيَانِ عُيُوبِهِ لِلنَّاسِ الْخَطْمُ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ ءَاخَرُونَ: لَزِمَهُ عَارٌ لاَ يَنْمَحِي عَنْهُ وَلاَ يُفَارِقُهُ.

﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ امْتَحَنَّاهُمْ وَاخْتَبَرْنَاهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالاً لِيَشْكُرُوا لاَ لِيَبْطَرُوا فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ ﴿كَمَا بَلَوْنَآ﴾ أَيِ امْتَحَنَّا ﴿أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ أَيْ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ وَحَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ أَيْ لَيَقْطَعَنَّ ثَمَرَهَا ﴿مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ وَقْتَ الصَّبَاحِ كَيْ لاَ يَشْعُرَ بِهِمُ الْمَسَاكِينُ فَلاَ يُعْطَوْنَ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْهَا.

﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ أَيْ لاَ يَقُولُونَ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" بَلْ عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ عَزْمَ مَنْ يَمْلِكُ أَمْرَهُ.

أَمَّا قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِنَاحِيَةِ الْيَمَنِ بِهِ بُسْتَانٌ وَكَانَ مُؤْمِنًا وَذَلِكَ بَعْدَ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَكَانَ يَجْعَلُ عِنْدَ الْحَصَادِ نَصِيبًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَجْتَمِعُ مِنْ هَذَا شَىءٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا مَاتَ الأَبُ وَرِثَهُ ثَلاَثَةُ بَنِينَ لَهُ وَقَالُوا: "وَاللَّهِ إِنَّ الْمَالَ لَقَلِيلٌ وَإِنَّ الْعِيَالَ لَكَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُونَا يَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ إِذْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَالْعِيَالُ قَلِيلاً، وَأَمَّا إِذَا قَلَّ الْمَالُ وَكََثُرَ الْعِيَالُ فَإِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هَذَا"، فَعَزَمُوا عَلَى حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ وَتَحَالَفُوا بَيْنَهُمْ يَوْمًا لَيَغْدُوَّنَ غَدْوَةً قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِيَقْطَعُوا ثَمَرَ الْبُسْتَانِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوهُ قَدِ احْتَرَقَ وَصَارَ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ.

﴿فَطَافَ﴾ أَيْ طَرَقَ ﴿عَلَيْهَا﴾ أَيِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ ﴿طَآئِفٌ﴾ أَيْ طَارِقٌ ﴿مِّن رَّبِّكَ﴾ أَيْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ وَمْعَنَى الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَى الْبُسْتَانِ نَارًا فَاحْتَرَقَ فَصَارَ أَسْوَدَ.

﴿فَأَصْبَحَتْ﴾ فَصَارَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ ﴿كَالصَّريِمِ﴾ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ بِسَبَبِ احْتِرَاقِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ: صَارَتْ كَالرَّمَادِ الأَسْوَدِ.

﴿فَتَنادَوْا﴾ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَيْ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْمُضِيِّ إِلَى مِيعَادِهِمْ ﴿مُصبِحين﴾ يَعْنِي لَمَّا أَصْبَحُوا.

﴿أَنِ اغْدُوا﴾ أَيْ بَاكِرُوا بِالْخُرُوجِ وَقْتَ الْغَدَاةِ ﴿عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ ﴿إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾ أَيْ قَاطِعِينَ ثِمَارَكُمْ.

﴿فَانْطَلَقُوا﴾ أَيْ مَضَوْا وَذَهَبُوا إِلَى حَرْثِهِمْ ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ أَيْ يَتَسَارُّونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُخْفُونَ كَلاَمَهُمْ وَيُسِرُّونَهُ لِئَلاَّ يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ.

﴿أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا﴾ أَيْ يَتَخَافَتُونَ وَيَقُولُونَ: لاَ يَدْخُلَنَّهَا أَيِ الْجَنَّةَ ﴿الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ﴾ وَالنَّهْيُ عَنِ الدُّخُولِ نَهْيٌّ عَنِ التَّمْكِينِ مِنْهُ أَيْ لاَ تُمَكِّنُوهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فَيَدْخُلُوا.

﴿وَغَدَوْا﴾ أَيْ سَارُوا إِلَى جَنَّتِهِمْ غَدْوَةً ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ أَيْ عَلَى قُدْرَةٍ، وَفُسِّرَ الْحَرْدَ بِالْقَصْدِ أَيْ غَدَوْا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَصَدُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ وَاسْتَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ فِي أَنْفُسِهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى صَرْمِهَا وَأَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُرَادِهِمْ، وَفُسِّرَ الْحَرْدُ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَفِي ظَنِّهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ﴿قَادِرِينَ﴾ أَيْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى جَنَّتِهِمْ وَثِمَارِهَا لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا أَحَدٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيرِ بِمَعْنَى التَّضْيِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ [سُورَةَ الْفَجْرِ] أَيْ مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ إِذْ حَرَمُوهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يُنِيلُهُمْ مِنْهَا، قَالَهُ أَبُو حِبَّانَ.

﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾ أَيْ فَلَمَّا صَارَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَى بُسْتَانِهِمْ وَرَأَوْهَا مُحْتَرِقًا حَرْثُهَا أَنْكَرُوهَا وَشَكُّوا فِيهَا هَلْ هِيَ جَنَّتُهُمْ أَمْ لاَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا الطَّرِيقَ وَتَاهُوا وَأَنَّ الَّتِي رَأَوْا غَيْرُهَا ﴿قَالُوا إِنَّا﴾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿لَضَآلُّونَ﴾ أَيْ لَمُخْطِئُونَ الطَّرِيقَ إِلَى جَنَّتِنَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ جَنَّتَنَا، ثُمَّ وَضَحَ لَهُمْ أَنَّهَا هِيَ وَأَنَّهُ أَصَابَهَا مِنَ عَذَابِ اللَّهِ مَا أَذْهَبَ خَيْرَهَا، وَقِيلَ: أَيْ إِنَّا لَضَالُّوَن عَنِ الصَّوَابِ فِي غُدُوِّنَا عَلَى نِيَّةِ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ فَلِذَلِكَ عُوقِبْنَا.

﴿بَلْ نَحْنُ﴾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَحْرُومُونَ﴾ أَيْ حُرِمْنَا خَيْرَهَا وَنَفْعَهَا بِمَنْعِنَا الْفُقَراَءَ مِنْهَا.

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ أَيْ قَالَ أَفْضَلُهُمْ قَوْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً: ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ﴾ أَيْ هَلاَّ ﴿تُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ تَقُولُونَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ" وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ. فَقَدْ أَنَّبَهُمْ أَخُوهُمْ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ أَيْ ذِكْرِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ السُّوءِ، وَلَوْ ذَكَرُوا اللَّهَ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ لاَمْتَثَلُوا مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مُوَاسَاةِ الْمَسَاكِينِ وَاقْتَفَوْا سُنَّةَ أَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ ابْتَلاَهُمُ اللَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَهُمْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: "لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ" أَيْ تَسْتَثْنُونَ إِذْ قُلْتُمْ ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ فَتَقُولُوا: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ"، وَقِيلَ: لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ أَيْ تَذْكُرُونَ اللَّهَ وَتَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ خُبْثِ نِيَّتِكُمْ، وَلَمَّا أَنَّبَهُمْ رَجَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ وَبَادَرُوا إِلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ عَزَّ وَجل

يتبع في الجزء الثاني




كنزالمعرفة
عضو نشيط
عضو  نشيط

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 262
تاريخ الميلاد : 01/01/1970
العمر : 54

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى