ملتقى الجزائريين والعرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مسيــــرة الروائـــي مولــــود معمــري

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

مسيــــرة الروائـــي مولــــود معمــري Empty مسيــــرة الروائـــي مولــــود معمــري

مُساهمة من طرف zaara الأحد 20 أبريل - 11:06:41

[rtl]مسيــرة الروائي مولــود معمـــري[/rtl]
[rtl]
مسيــــرة الروائـــي مولــــود معمــري Mouloud_mammeri6[/rtl]

[rtl]ولد الروائي مولود معمري في 28 ديسمبر 1917 بقرية تاوريرت ميمون بآث يني - ولاية تيزي وزو نشأ وسط أسرة ذات جاه وعلم مهدت له ظروفا مواتية لاحتضان العلم والأدب، حيث تلقى تعليمه الإبتدائي  بمدرسة القرية، وهي المنطقة التي كانت ملهما قويا لمختلف الأعمال الأدبية التي أصدرها فيما بعد وفي العام 1928 التحق بالمملكة المغربية وهو لم يتجاوز الحادي عشر من عمره، ودرس بمدينة الرباط  في كنف عمه الذي كان من الشخصيات المقربة للملك المغربي محمد الخامس آنذاك[/rtl]
[rtl]في العام 1932 عاد معمري إلى أرض الوطن، فالتحق بثانوية بوجو (ثانوية الأمير عبد القادر حاليا) بباب الواد  بالعاصمة، ثم انتقل  إلى ثـانوية لويس الأكبر بباريس فيما بعد وفي العام 1939 جنـد ا الـدّا المولود ا من طرف السلطات الاستعمارية، غير أنها سرعان ما أخلت سبيله سنة ,1940 فكانت فرصة للالتحاق بجامعة الجزائر بكلية الآداب  وفي نفس السنة، نشر بمجلة ''أكـدال'' المغربية مجموعة هامة  من المقالات المتعلقة  بالمجتمعات الأمازيغية، والتي تناولها في بعد انتروبولوجي زاد من وتيرة ترقية اللغة والثقافة الأمازيغتين، كما شارك أيضا في الحملة العالمية لمناهضة الحرب العالمية الثانية· [/rtl]
[rtl]وفي  العام 1942 أعيد تجنيده بعد الإنزال الأمريكي، فترشح غداة نهاية الحرب إلى مسابقة توظيف أساتذة الآداب، ليعود إلى الجزائر سنة .1947 وخلال هذه المرحلة، كان مولود معمري مدرسا بالمدية، ثم ببن عكنون بالعاصمة، فكانت مرحلة هامة لوضع أولى اللبنات لروايته الأولى ''الهضبة المنسية'' التي صدرت العام ,1952 وهو العمل الأدبي الذي ارتقى بالكاتب إلى مصف العظماء، وقد نالت إعجاب كبار الكتاب آنذاك، حيث تمنى الأديب طه حسين أن تكون كتبت بالعربية ليطلع عليها القراء العرب لما تحمله من قيم جمالية وفنية رائعة· وفي العام 1955 أصدر الكاتب عملا روائيا جديدا بعنوان ''نوم العادل ''  فأخذت شهرته تكتسح الأصقاع وازداد الطلب على روايتيه لما تحملانه من بعد إنساني حضاري يرتبط ارتباطا وثيقا بالإرث الثقافي للقبائل، وهي المنطقة التي كان لها أثرا بليغا على فكر وأدب ''الدّا المولود''· كان الروائي مناضلا ثقافيا أسس للسانيات الأمازيغية وأنجز عملا كبيرا في النحو الأمازيغي أسماه '' تـاجرومـت '' وهو ما نعني به القواعـد· ومع تسارع الأحداث، تفطنت الإدارة الفرنسية لأمر الكاتب فقررت ملاحقته واستهدافه، وقد كان كاتبا فذا ينبذ الاستعمار ويتغنى بالسلم والحرية، فكان عليه أن يغادر الجزائر وهو ما كان فعلا حين اتجه إلى مدينة الرباط سنة,1957 وكانت تلك محطة هامة لإنجاز دراسات تتناول اللسانيات الأمازيغية في سياق أكاديمي منسق، زادته ثراءً احتكاك الكاتب بأمازيغ المغرب، وهو ما أسس لأولى المحاولات لتأسيس قاموس أمازيغي موحد بين دول المغرب الكبير·[/rtl]
[rtl]غداة الاستقلال عاد الروائي مجددا إلى الجزائر، وأصدر في العام 1965 رائعة ''الأفيون والعصا''  وهي الرواية التي لقيت تجاوبا سريعا في وسط الأدبية منذ صدورها· وخلال المرحلة الممتدة ما بين 1965 و 1972 أشرف على تدريس اللـغة الأمازيغية بالجامعة في إطار خلية الإتنوبولـوجيا التي كان يشرف عليها، غير أنه منع في العديد من المرات من إلقاء دروس خاصة بهذه اللغة، وكان يجبر على الحصول على ترخيص لإلقاء تلك الدروس، وامتد الأمر كذلك إلى غاية سنة ,1973 حيث تقرر خلالها حذف وحدة الإتنولوجيا من المقرر على أساس تصنيفها ضمن الوحدات الموروثة عن الاستعمار·[/rtl]
[rtl]كان الأديب غاية في الإنسانية والرزانة ، وقد نقل عنه مقربوه أنه لا يكل من تنشيط الجلسات الفكرية الحميمية بين أصدقائه، وكان مخلصا، هادئا، لا يكاد يباشر مشروعا ثقافيا حتى تجده منزويا، ينأى عن الأعين ولا يهدأ له بال إلا اذا استوى مشروعه فوق بساط الحقيقة· إن روايات معمري تختلف اختلافا جذريا عن الأعمال الأدبية التي كتبت بالفرنسية منذ بداية القرن العشرين، ولقد اتضح منذ البداية أنه مشروع روائي يوازي فكر الأدباء الذين انصهروا في سياسة الاندماج والمثاقفة من قبل، وتبين جليا أن رواياته لم تكن إلا دعوة صريحة إلى أدب وطني أصيل، حيث يدعو إلى الالتفاف حول المجتمع والهوية كرافدين هامين من الشخصية الجزائرية· ولعل مثل تلك المواقف الصامدة جعلته يغادر إتحاد الكتاب الجزائريين وهو في أوج العطاء بعد اختلاف حول دور الكاتب وأهمية المواقف التي ينساق وراءها في المجتمع·[/rtl]
[rtl]في سنة 1965 جمع الكاتب ونشر مجموعة قصائد الشاعر ''سي محـند أومـحـند''، فساهم بذلك في ضع لبنة أخرى في سياق الحفاظ على التراث الشقوي للشاعر بعد تلك التي قام  الكاتب مولود فرعون· وخلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1969 و 1980، أشرف ''الـدّا المولود'' على رئاسة المركز الوطني للأبحاث الأنتروبولوجية والدراسات ما قبل التاريخ والإتنولوجيا، حيث أصدر مجلة ليبيكا التي اتسمت بدراساتها ذات الطابع العلمي، كما  نشر سنة 1973 مجموعة قصصية موسومة'' موظف البنك'' والتي تضمنت أيضا مقالات سبق وأن نشرها من قبل· [/rtl]
[rtl]وفي العام ,1974 ألغت جامعة قسنطينة ملتقى دوليا بعنوان ''الآداب والتعبير الشعبي في المغرب الحالي ''· وفي هذا الصدد يقول شارلس بون (أستـاذ بجامعة ليون 2) عن الواقعة : ''نستطيع القول أن هذا الملتقى الذي منع في آخر لحظة، كان تخوفا من أية قراءة لمـولود معمري بخصوص'' الأدب القبائلي القديم ''· [/rtl]
[rtl]ولعل التحفظ من الدراسات التي كان يقدمها الكاتب في المحافل الدولية، أبقى نية السلطات على منعه من أية محاضرة في هذا الموضوع إلى غاية سنة ,1980 حيث تلقت خطوة المنع غضبا طلابيا واسعا امتدت شظاياه إلى كل الشارع آنذاك [/rtl]
[rtl]في سنة ,1980 تلقى الكاتب دعوة إلى إلقاء محاضرة بجامعة تيزي وزو بعنوان ''الأدب الشعبي القبائلي'' غير أن السلطات الولائية قررت يوم 10 مارس 1980 إلغاء المحاضرة، مما ألهب الأجواء الطلابية وتسارعت الأحداث فولدت مواجهات مؤسفة يوم 20 أفريل ,1980 وهي الأحداث التي أصبحت تسمى بـ ''الربيع الأمازيغي ''· وفي نفس العام، لم تتوقف آلة الكاتب من تلفظ ما كانت تدونه من أعمال أدبية، حيث أقدم على تجربة نشر ما جادت قريحته من شعر، فكان ديوان ''أشـعار القبيلة ''مولودا أدبيا مميزا في تلك السنة·[/rtl]
[rtl]وفي سنة 1982 يعود ''الـدا المولود'' إلى العمل الروائي فينشر روايته الرابعة الموسومة ''العـبور''،  وفي نفس السنة، أسس بباريس مركز الدراسات والأبحاث الأمازيغية، وكذا أنشأ مجلة '' أوال '' التي تعني الكلمة· [/rtl]
[rtl]وفي زخم تلك الأنشطة المكثفة، بادر معمري إلى عقد ندوة قيمة حول اللغة و الأدب الأمازيغيين، وكانت تلك صيغة مكملة لإحدى الندوات التي اختتمت أشغالها بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الإجتماعية بفرنسا· ومن أبرز ما يحسب للكاتب أنه أول من قنن اللغة الأمازيغية في صيغة أدوات علمية ساهمت في ترقيتها وجعلها أكثر تنظيما·[/rtl]
[rtl]وأيا ما كان الأمر، فإن اللغة المكتسبة تعد فعلا ثروة يجب الحفاظ عليها ضمن خطاب أدبي أصيل، لأننا نسعى دائما إلى إستغلال ما نرثه من ثقافة وفكر دون معاداة لأية لغة··· كانت تلك فكرة آمن بها الكاتب ولطالما حذر من مغبة الإنسياق وراء فكرة تنازع الثقافات والآداب، لأنها فعلا بحاجة إلى تعايش ينأى عن التنافر الذي لا يخدم طرفا·[/rtl]
[rtl]وفي العام ,1988 كرم مولود معمري بالدكتوراه الفخرية منحتها له جامعة السوربون نظير ما قدمه من أعمال أدبية إنسانية خالدة· [/rtl]
مسيــــرة الروائـــي مولــــود معمــري 201391
[rtl]سـاعة الرحـيل:[/rtl]
[rtl]كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلا وبضعة دقائق من ليلة 26 فيفري 1989، كان مولود معمري يهم بالخروج من مدينة عين الدفلى· كان الليل دامسا، ولا ضياء في الأفـق··· انعطفت سيارة الكاتب (بيجو 205) في منعرج خطير··· تقابلها شاحنة متوقفة في الطريق، وأضوائها منطفئة، وحتى مثلث الخطر للشاحنات كان غائبا عن قارعة الطريق·· [/rtl]
[rtl]حينما همّ مولود معمري بتفادي الشاحنة المتوقفة، أدار المقود إلى اليسار··· ولسوء الحظ، تنبعث الأضواء الوهاجة من سيارة قادمة بأقصى سرعة من الجهة المعاكسة··· الكاتب يجد نفسه مجبرا على تفادي السيارة، يدير بسرعة مقود السيارة إلى أقصى اليسار··· فتحدث الفاجعة ··· تنحدر السيارة في منحدر، فتصدم بشجرة ثابتة· بعد 20 دقيقة من الإسعافات (حسب رواية الطبيب المناوب)، ينقل الكاتب في سيارة إسعاف إلى استعجالات مستشفى عين الدفلى (أقرب مستشفى)، كان مجهزا بالوسائل الطبية ولكن من غير طبيب جراح في ذلك الحين· كانت الدماء تتطاير من كل أنحاء جسم الكاتب، لقد فقد كميات كبيرة من الدم· وبعـد حوالي ساعة من الزمن بعد دخوله مستشفى عن الدفلى، تصل الروح إلى بارئها، ويرحل الكاتب···[/rtl]
[rtl]كانت وثائق الهوية (جواز السفر ورخصة السياقة) تحملان اسم: مـحـمد معمـري، ولا أحد من الطاقم الطبي تعرف على الكاتب· لقد اتصل أعضاء الطاقم بالشرطة وطالبوا بالاتصال بعنوان عائلة المتوفي كما ورد في رخصة السياقة: شارع سفينجة - بلدية الأبيار - الجزائر· [/rtl]
[rtl]وفي حدود الساعة الثامنة صباحا، وصل الدكتور عـمار خريـص (دكتورعلى صلة وطيدة بالثقافة) ورئيس مصلحة طب الأطفال، إلى المستشفى وتم إخطاره  بوجود جثة سائق سيارة في مصلحة حفظ الجثث، ونقل أعضاء الطاقم له الحكاية عن آخرها···[/rtl]
[rtl]وعندما تقدم الدكتور إلى الجثة تعرف بسرعة على الكـاتب، إلتفت خلفه، ففاجأ زملاؤه بصوت قوي: [/rtl]
[rtl]'' إنـه الكـاتب مـولـود معـمري''، ليصاب الحضور بذهول غريب···[/rtl]
[rtl]كان الدكتور خريص في غاية التأثر والأسى، لقد اتصل بجميع أصدقائه، من العطاف (منطقته الأصلية)، عين الدفلى، الجـزائر، تيزي وزو···(إلخ) إلى غاية الساعة التاسعة وعشر دقائق، استطاع أخيرا أن يتحدث مع ابنة الكاتب معمري عن طريق الهاتف···[/rtl]
[rtl]لقد تلعثمت الكلمات في لسانه، غير أنه بادر أخيرا وأنبأها بالفاجعة··· [/rtl]
[rtl]وفي حدود الساعة الثانية زوالا من يوم 27 فيفري 1989، كانت جثة الفقيد قد وصلت أمام عتبة بيته بشارع سفينجة بالجزائر· وفي نهار الغد، ينقل النعـش إلى موطنه الأصلي بقرية تاوريرت ميمون، ويدفن الفقيد في جو جنائزي رهيب·[/rtl]
[rtl]لقد  اكتست مراسيم الدفـن حلة العظماء، ولم يشهد قط مثلها في الجزائر· أكثر من 200 ألف شخص من مختلف الفئات والأعمار، رجالا، نساء، شيوخا قدموا جميعا لوداع الفقيد· لقد غابت الشخصيات الرسمية عن مراسيم الدفن، وأي[/rtl]
[rtl]''رسمي'' تسول له النفس بأن يقتحم تلك الجماهير الموجوعة، وشعارات التنديد بالسلطة كانت ترددها كل الألسنة[/rtl]
[rtl]قبل يومين من رحيل الكاتب مولود معمري، أجرت مجلة ''لوماتان دي صاحارا''  - صباح الصحراء - المغربية حوارا صريحا مع ''الـدا المـولود '' وكان الحوار مركزا عن إشكالية خصائص وعولمة الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية، وخلال الحوار كانت إجابات الكاتب تفاؤلية نوستالجية أحيانا نلمس فيها الكثير من القراءات، لقد كان إنسانيا في إجاباته ومجايلا لكتاب عصره من الشباب· وخلال الحوار، طرح عليه سؤال عن رأيه في الكتاب الشباب الذين بدأوا يغزون الساحة الأدبية برواياتهم، وهل يشعر بأن له مكان في الرواية الجديدة أم لا، كان جوابه صريحا متينا من غير أية عقدة، وليتأمل القارئ سعة صدر الكاتب وعدم إحساسه بأي غرور أو عقدة الشباب، بقدر ما هي قيمة إنسانية نتمنى ألا يفتقدها المثقف الجزائري في كل الأحوال: [/rtl]
[rtl]'' أؤكد بأنني لا أطمح إلى أية عامة في هذه الروايات الجديدة، بل أنا راض كل الرضا عن النوع الجديد من الكتابة الذي أصبح يتميز به أولئك الشباب كما أن لهم نظرة جديدة في التفكير تتوافق ووقتنا المعاصر، وعليه لا بد أن يتجسد ذلك في كتاباتهم''·[/rtl]
[rtl]وفي سؤال عن عما إذا كان لا يزال في تواصل مع كتابة الرواية أو العمل المسرحي، أجاب معمري حرفيا:[/rtl]
[rtl]''بالطبع، أشتغل حاليا على رواية وثالث عمل مسرحي، وأتمنى أن أعكف على الكتابة الإبداعية إلى آخر أيامي''· [/rtl]
[rtl]كانت تلك آخر أيامه، ولم يكن يدري بأن الموت سيعانقه قبل أن يعانق ابنته ثم ينكب إلى كتابة روايته التي شؤع فيها من قبل· وفي آخر الحوار، ذكر الصحافي حكاية مؤثرة وقعت أثناء الحوار، حيث طلب من  مولود معمري أن يعطيه قلمه حتى يتمكن من كتابة عنوانه بالجزائر· وفعلا قدم معمري سيالته للصحافي المغربي، وشرع الأخير قي كتابة العنوان، وفجأة توقف القلم عن الكتابة، فستفسره الصحافي:[/rtl]
[rtl]''ولكن لا وجود للحبر في قلمك''؟· فأجابه الكاتب مازحا:[/rtl]
[rtl]''أظنه مـات···'' وما إن بادر بالجواب حتى انفجر الصحافي ضاحكا، ثم ترجاه أن يمكث أياما إضافية في مدينة وجدة إلا أن جواب مولود معمري كان صارما: [/rtl]
[rtl]''لا، لا أستطيع لدي موعـد هـام ينتظرني'' وكانت تلك آخر مرة يلتقي الصحافي بالكاتب·[/rtl]
[rtl]كان ذلك موعد مع الموت·· وكان موعد لا لقاء فيه من بعد··· فرحل الـدا المولود إلى الأبد، وكان ذلك آخر حوار صحفي يدلي به مولود معمري لوسائل الإعلام، قبل يومين من وفاته.[/rtl]
[rtl]وفي الأخير يبقى '' الـدا المولـود'' ذاكرة حية لكل الجزائريين·· لقد شرف الجزائر في العديد من المحافل  الثقافية الدولية، ويكفي أن أعماله ترجمت للغات عديدة لا تزال الشعوب تستقي بينهم من إنسانيته الخالدة، ويحق للجزائر أن تفتخر بأن لها كاتبا كبيرا صنعت الثقافة والأدب منه اسما أكثر مما تصنعه السياسة والمال·[/rtl]




[rtl]هذا نص لمولود معمري يعود إلى أكتوبر 1956 والذي لا يتم العثور عليه بسهولة: "رسالة إلى فرنسي". إن محاكمته للاستعمار؛ صارمة ومقلقة بالنسبة لنا، نحن الذين نحتفل بعيد الاستقلال الوطني في الرزنامات أكثر منه في الواقع، مقلقة لأن العالم الاستعماري الذي يصفه معمري يشبه في كثير من الجوانب العالم الذي نعيشه اليوم وخاصة ذلك التحقير الطاغي. هل من الصدفة أن يجد مولود معمري نفسه في هذه الرسالة مضطرا إلى التعبير عن فظاعة الاستعمار بأن يكتب إلى أحد أصدقائه، وهو جان سيناك، الذي دافع دوما عن جزائريته مخاطبا إياه على أنه "فرنسي" ؟ ومادامت إنسانية مولود معمري ليست محل شك في هذا الإبعاد فما الذي حركها يا ترى؟[/rtl]








[rtl][size=32]رسالــة إلى فرنســي[/size][/rtl]
[rtl]عزيزي جيروم؛ [/rtl]
[rtl]بدت لي رسالتك وكأنها قادمة من الشِّعرى اليمانية، لكون اهتماماتها هنا بدت جد غريبة. هل ما تزال هناك بلدان حيث يهتم الناس بأشياء ممتعة غير ضرورية كالأدب والأدباء..[/rtl]
[rtl]أنتم أناس سعداء، يا جيروم، على ضفاف السين. هنا يموت رجال وتموت نتانة وتموت عفونة. كما تولد آمال أيضا كل يوم، آمال عنيدة، مصرة، رتيبة وخافتة، متجذرة وحقيقية إلى حد أن نقبل الموت من أجلها، وحتى يكون أمل موتى اليوم هو واقع أحياء الغد. يطلع النهار كل يوم بكومته من الجثث وجرعته من الحماس وأنت تكلمني عن الأدب...[/rtl]
[rtl]لا، منذ أكثر من سنة لم أكتب شيئا ، لأنه لا شيء يبدو لي جدير بأن يكتب، لا شيء سوى المأساة الكبرى والدموع ودماء الأبرياء (كل الأبرياء الذين يدفعون خطأ المجرم الأكبر الوحيد، الاستعمار والذي هو هنا خطيئتكم الأصلية الثانية)، وأيضا بالطبع الحماس والأمل العنيد وكل ما يخرج من آلام الولادة ( وآمل أن يخرج قريبا) في هذه الأرض طيب دائما.[/rtl]
[rtl]حاليا، نشاطات تسعة ملايين من الجزائريين محدودة وتفاجئك بساطتها. في أي جانب كانوا، يكتفي الجزائريون بعد موتاهم. وهو ما لا يتم بسرعة دائما، قد يحدث ذلك عندما يكون الموت جثة: إنه يُرى بسرعة؛ له شكل وله اسم وله أهل يبكونه وأصدقاء يريدون الانتقام له، وهناك أناس شرفاء يجدون أن موته كان ظلما وبأنه جثة غير مجدية، إهدار إنسانية، هناك من هم كما هو عندما كان حيا والذين يعصر الخوف أحشاءهم لأنهم يتساءلون لماذا كان هو؟ وإن لم يكن غدا دورهم؟ ( هؤلاء هم الأكثر خطورة لأنهم بقدر خوفهم من الموت ينشرونه بسهولة: المنتقمون، الدمويون، هم دائما، لأنهم يظنون أنهم يقتلون خوفهم نهائيا بقتلهم شخصا وأن الحركة العصبية والخاطفة التي يضغطون بها السبابة على الزناد ستخلصهم من الآخر، أي كل ما هو معاد، أي حل المشكل الجزائري. فلنقتلهم جميعا، إنها جملة نسمعها هنا ولكن أنت وأنا نعرف جيدا يا جيروم أنه بعد أن نكون قد قتلناهم سيكون آخرون وسيكونون دوما في حالات كهذه...)[/rtl]
[rtl]ولكن عندما تكون أوهام ميتة ومحبات ميتة هي التي نَعُدُّ فالعملية صعبة. إنهم أموات لا يمكن أن نصبر عليهم، كالآخرين طبعا، لكننا متيقنون أن الآخرين لن يعودوا؛ فبعد أن يدفنوا لا يبق هناك شك: نحن متحضرون ونعرف أن الأرواح لا تعود. إنها ميتات منتهية، أريد أن أقول بأنها محددة الجوانب بشكل واضح.[/rtl]
[rtl]لكن الميتات غير المعرّفة، ميتات لا متناهية لأشياء حبيبة والتي عندما تُقتل من حولنا تصر على البعث من جديد في ركن من قلوبنا، من سيخلصنا منها، من سيواسينا ومن يشفينا منها ؟[/rtl]
[rtl]وعن فرنسا، كثير هنا كان لهم الضعف ( هل يمكن أن نقول هنا الحظ ؟) أن يحبوا بعض الأشياء والتي منذ أكثر من سنة تقتلها الأيام بصفة أكيدة وبشكل أعمق كل مرة. كل الكلمات التي وصلت حد الاهتراء عندكم والتي، أعرف ذلك عن تجربة، تثير على شفاهكم دوما ابتسامة ساخرة ومُشفِقة في نفس الوقت، جميع الكلمات التي تقرون منذ زمن طويل أنه ليس غير السذج من مازال يؤمن بها، وآمنا بها نحن بسذاجة: الأخوة، الإنسانية، التحرر، الأجمل بكثير من الحرية، التي أجرؤ على ذكرها بالكاد بدون خجل، ولكن ما عساي أن أفعل؟ كتّابكم وشعراؤكم وفلاسفتكم تكلموا عنها بالنبرة والبلاغة وحتى بالنغمات التي أحبها. إلى درجة أنني أغريت، بل أكثر من ذلك، بإغراء عنيد. لقد حدث الضرر. لا توجد سلطة في العالم يمكنها أن تجعلني مرة أخرى (وكثيرون معي ) إنسانيا، أخويا، ومتحررا الذي هو أجمل من حر، لأن هؤلاء الأموات نحن البعض، نحن الكثير، نحن كل الشعب الجزائري، وأنا متأكد أن جزءا مهما من شعب فرنسا لا نريد أن نتقبلهم. يكفي بالنسبة لنا أن الآخرين يكلفوننا كثيرا من الدموع.[/rtl]
[rtl]أرفض أن أصدق أن يرتبط مصير فرنسا مع أي هيمنة استعمارية على جمع من البشر، لقد جعلتم العالم يؤمن بأن طرفي العبارة يقصي أحدهما الآخر: والعالم أخذكم على كلمتكم. لا يمكنكم أن ترجعوا عن كلمتكم وإن أخذتم بإحدى العبارات فعليكم بنبذ الأخرى في نفس الوقت: بين الاستعمار وفرنسا يجب الاختيار.[/rtl]
[rtl]مولود معمري خلال الحرب[/rtl]
[rtl]لأنه في المستعمرات، وأنت تدرك ذلك جيروم، كل شيء يصبح استعماريا. أي غير إنساني، وهذا عدل: النظام يُدافَع عنه أو يؤخذ برمته. لا يمكن أن يكون هناك مجال مخصص للإنسانية، ولا يوجد ما هو أكثر حقارة وإيلاما من التبشير في بلد مستعمر. فالمستعمر لا يضرب غير الجسد على الأقل، وهو يكسر الروح في نفس الوقت طبعا، ولكن بصفة ثانوية، وليست هي غايته الأولى، أما المبشر (المتدين أو العلماني، الكاهن أو المعلم) فهو يدمر الروح بصورة دقيقة فهو يحمل، غالبا أحسن النوايا، الكلمة الطيبة والمبادئ الكبرى إلى أناس حياتهم هي إنكار يومي ومأساوي للكلمة الطيبة والمبادئ الكبرى.[/rtl]
[rtl]تصل تعاليم السيد المسيح، الذي جاء لإنقاذ البشر، كل البشر والمستضعفين منهم على وجه الخصوص، إلى الأفارقة علي نفس السفن التي تحمل المستعمِر والإداري وماء الحياة. وللأفارقة إحساس غامض (هل هذا خطأ؟) بأن كل هذه العناصر مترابطة، وأنها وراء وجوه مختلفة هي القطع الأساسية لآلة الطحن. قد يتمكن الكاهن من إخماد صرخات ضميره بإقناع نفسه في نفس الوقت بأنه يصنع "زنوجا طيبين" للمستعمرين، فهو يربح أرواحا للسماء؛ من الصعب في المستعمرات أن تخدم قيصر والله معا؛ إن الذي يربحه الأول يخسره الثاني. وفي المستعمرات قيصر لاعب شاطر.[/rtl]
[rtl]وبعد هذا، أن تَعِدَ "الزنجي الطيب" بالسماء وتُصبِّره على بؤسه في هذا العالم بأمل فوزه بسعادة مطلقة في العالم الآخر قد يبدو له خداعا فجا: لماذا يخاطر المعمر الذي تربطه علاقات ممتازة بالمبشر بنصيبه من السماء يوميا بجشعه في امتلاك خيرات هذا العالم؟ ألم يخلق الله فضيلة الزهد لغير الزنجي؟ هل خصص الله السماء كلها للزنجي؟ أعرف أنني أُبَسِّط وأن كل العرب ليسوا خرافا وديعة يسهل جزها، وأن الكنيسة وجدت من وقت قريب طريق السيد المسيح وصوته وأن رجالا أتوا لهذه البلاد تحدوهم الرغبة في جلب القيم الحقيقية لفرنسا. ولكنك فهمتَ جيدا، أليس كذلك، أنه ليس الرجال من ألوم وإنما النظام.[/rtl]
[rtl]النظام، لأنه تراجع للحضارة وللإنسان. هذه الضفاف المتوسطية التي أَلِفت الأنفاس العليا للروح والتي ازدهرت عليها إنسانية تيرانس وعمق أوغستين وعبقرية هنيبعل وسلم عبد المومن ونور ابن خلدون أصبحت الآن عقيمة. لا يمكن أن نخدم إلــهين: عبادة الكرمة لا تسمح بعبادة أخرى، التهمت الكرمة كل شيء: الأرض أولا والبشر بعد ذلك. وما جدوى سرد الأرقام لنبرز أنه يولد كل سنة بشر أكثر في هذه البلاد؟ لا يُعد البشر كما تعد رؤوس الماشية أو جذوع الكروم: يوزن البشر بمقدار إنسانيتهم .  لا يهم أن يولد كثير من الرجال إن كانوا يولدون ميتين.. أخذت الكرمة كل شيء: كل الهواء وكل المجال وكل تعب الزنود وكل أحزان الرجال، وكل حبهم أيضا. حيث تنمو الكرمة ينضب الرجال.[/rtl]
[rtl]ينضب البشر، لأن ولا واحدة من الأحاسيس التي ترافق حتما النظام الاستعماري هي إحساس بالغبطة، وتوجد كلها في المنطقة الأدنى، الأكثر سلبية، والأكثر بشاعة في الإنسان. الرجال الذين يزهرون في النظام الاستعماري هم المحتالون والمزورون والمارقون والمنتخبون المصطنعون، بلهاء القرية، الرديئون، الطامحون الخواة، المطالبون بأكشاك التبغ، مخبرو الشرطة، القوادون البؤساء، القلوب البائسة. لا وجود في النظام الاستعماري لقديس ولا لبطل ولا حتى لموهبة متواضعة. لأن الاستعمار لا يحرر، بل يُكرِه، إنه لا يرفع، بل يقهر، لا يُمجِّد، بل يُيئس ويُعقم؛ إنه لا يسمح بالتواصل، بل يفرق ويعزل ويحبس كل إنسان في عزلة بلا أمل.[/rtl]
[rtl]لقد ولّد الغزو الاستعماري شكلا خاصا من العلاقات بين البشر: الاحتقار، لا أعني الاحتقار الفردي الذي قد يكون مؤسسا (كاحتقار شخص حقير) ولكن الاحتقار الغبي لعرق كامل وشعب، الاحتقار الأعمى الحيواني. ولكن القوة والاحتقار؟ إسمنت هش جدا للذي يريد أن يبني حضارة ويريدها أن تدوم.[/rtl]



zaara
zaara
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 6998

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى