ملتقى الجزائريين والعرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المرابطـــــــــون

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

المرابطـــــــــون Empty المرابطـــــــــون

مُساهمة من طرف zaara الثلاثاء 25 مارس - 12:19:51

المرابطون هي حركة دعوية إصلاحية إسلامية , أسست أول دولة في منطقة المغرب الإسلامي بكامل المعنى . كانت بلاد المغرب الكبير من قبل إمارات صغيرة ومبعثرة مبنية على أساس قبلي. اعتمدت هذه الدولة في بدايتها على  العصبية الصنهاجية  بعد التحام عدد من قبائلها الكبيرة. هذا الاتحام تحول إلى سند شعبي لم يلبث بدوره أن تحول إلى سند عسكري لم يلبث في النهاية أن تحول إلى قوة، وعامل القوة الاقتصادية لهذه القبائل من خلال سيطرتها على الطرق التجارية، عامل آخر جد مهم وهو قوتهم المتشبعة بروح إسلامية إصلاحية مبنية على المذهب المالكي باعتقاد أشعري سني، فسمت نفسها تسمية معبرة وهي "دولة الرباط والإصلاح".[/rtl]
[rtl]امتدت الدولة الجديدة على مستوى منطقة تسيطر جغرافيًا من المحيط الأطلسي غربا وبلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوبًا، وهو مكان مخاض ميلاد الحركة، إلى الامتدادات الشرقية محاذيًة إمبراطورية كانم ومزاحمًة إياها على بحيرة تشاد في للصحراء الكبرى. وامتد هذا المجال في الشمال مخترقا جبال الأطلس بتلالها وكبيرها ومتوسطها وصغيرها ، وامتد إلى أن وصل البحر الأبيض المتوسط مخترقا مياهه ودخل شبه الجزيرة الأيبيرية، وسيطر على الأندلس. وعرفت أوج امتدادها في عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي أسس مراكش واتخذها عاصمة للدولة . ودخل الأندلس وأخضعها لسلطته بعد معركة الزلاقة . وكانت تجاور سلطانه في الشمال كل من  مملكة قشتالة ومملكة نافارا ومملكة أراغون وفي الشرق بنو زيري وبنو حماد وفي جنوب الصحراء، بحكم الأمر الواقع، كل من ممالك بامبوك، وبوري، ولوبي وإمبراطوريتي مالي وغانا.[/rtl]
خلفية
[rtl]كانت تحكم بلاد المغرب الأقصى عند ظهور المرابطين عدة دويلات أو تجمعات قبلية، أبرزها أربع شوكات قوية لها وزنها: برغواطة وغمارة ومغراوة في الوسط والشمال وطوائف من الشيعة البجلية والوثنيين في الجنوب.
برغواطة
الامتداد الجغرافي لدولة برغواطة
[rtl]كانت برغواطة دولة قد تأسست في القرن الثاني الهجري في تامسنا، الشاوية حاليا. وكانت تمتدُّ من الرِّبَاط الحالية إلى بلدة أزمور مصب أم الربيع. أشهر حكامها صالح بن طريف البرباطي، نسبة إلى نهر برباط  بالأَنْدَلُس ؛ فصارت كلمة برباطي تُطلق على كل من اعتنق ديانته، ثم حُرِّفَت مع الوقت إلى برغواطي. وكان يدعي النبوة، فأخرج لهم قرآنًا بلغة بربرية محلية يتكون من ثمانين سورة . من شرائعه صوم رجب بدل رمضان، وأضاف في الوضوء غسل السرة والخاصرتين ، وأباح الزواج بأكثر من أربع وغيرها من الشرائع. وكانت المالكية تكن عداءا كبيراً للبرغواطيين ، فهم حسب إجماع فقهائها خارجون عن الإسلام ، لذا وجب عليهم حربهم. خصوصا وأنه دخل تحت حكم البرغواطيين الكثير من القبائل . فقرر المالكية أن يعملوا من أجل وقف حملة الردة. فقاتلهم الأدارسة في بداية الأمر ، وبعدهم الأمويين والمغراويين
غمارة
[rtl]كانت تسكن قبائل غمارة جبال الريف الممتدة من ناحية البحر المتوسط من سبتة وطنجة غربًا، إلى وادي نكور (الذي كانت تحمل اسمه مملكة نكور) بالقرب من الحسمية الحالية، وتمتد جنوبًا إلى قرب مدينة فاس . وكانت غمارة أحد قبائل مصمودة ، اشتهرت بالمشعوذين وكان يقصدهم الخوارج للاحتماء في جبالهم. و ظهر رجل يدعي النبوة ووضع لهم قرآنًا بلغتهم المحلية . ومن تعاليمه تحليل أكل أنثى الخنزير، وأسقط عنهم الحج والطهر والوضوء، وحرَّم بيض الطيور
مغراوة
[rtl]استقل بني مغراوة الزناتيين عن الخلافة الأموية في الأندلس سنة390هـ  / 1000 م وبسطوا سيطرتهم تدريجياً بدءاً من فاس حتى سجلماسة وأغمات وتامدولت . وقد تَمّ ذلك في ظل صراعات مستمرة وفوضى سائدة جعلت الحياة اليومية لا تطاق وحالت دون أي نشاط اقتصادي طبيعي في عهد الزناتيين، . ويبدو أن شيئاً ما في هذه الوضعية العامة قد استفز فقهاء المالكية ودفعهم إلى التنديد بها ومعارضتها علنياً ، خصوصاً وأن الزناتيين لم يكونوا خصوماً من الوجهة الدينية بحكم كونهم من أهل السنة في ذلك الوقت ، بل أن منهم من كان مولع بجهاد برغواطة. لكن مع بداية سلسلة من المجامعات التي استمرت من سنة 380 هـ إلى 462 ، التي جعلت الزناتيين يثقلون بالضرائب على الرعية بشكل دفع الفقهاء، وبالخصوص أبي عمران الفاسي، إلى إعلان الثورة ضدهم بدعوتهم إلى تغيير منكر المظالم وأمرهم بمعروف رد الحقوق إلى أصحابها. الأمر الذي يؤكد الروابط الوثيقة بين آراء الفقهاء المعنيين بالحركة المرابطية منذ أن كانت مشروعا.[/rtl]
الملثمين
    
[rtl]لما حووا إحراز كل فضيلة        
[rtl]غلب الحياءُ عليهمُ فتلثموا
[rtl]المُلَثَّمين كان اسم يطلق على قبيلة لمتونة ثم توسع وأصبح شعارًا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت اسم سيادتها بحرصهم على نشر الإسلام ومواجهة شوكة من يعاديه. يعود تاريخهم إلى أيام تيولوثان بن تيكلان اللمتوني، الذي حارب القبائل الوثنية ونشر بينها الإسلام. سكنوا منطقة تمتد من غدامس شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومِن جبال درن شمالاً إلى وسط الصحراء الكبرى جنوبًا. افترق بعد تلك الحقبة المُلَثَّمين، واستمرَّ شتاتهم مدة مائة وعشرين سنة، وأصبحت قبائلهم تفتقر إلى دعم ديني وروحي. بعدها تحالفت قبائل صنهاجة الكبرى، بمثابة ردة فعل، من طرف تلك القبائل على ما عانته من تهميش وإبعاد عن المنافع والأرباح التي كانت توفرها التجارة عبر الصحراء وذلك بعد أن سلبت منها مدنها التجارية وعلى رأسها أودغشت، بعد تمكن التحالف بين زناتة ومملكة غانا من إسقاط مملكة أودغست الصنهاجية في أواخر القرن الرابع الهجري، وطرد الملثمين من عاصمتهم، وحل محلهم الزناتيون والعرب في سكناها واستغلال مكانتها التجارية. أدت هذه الوضعية إلى انزواء الملثمين في أعماق الصحراء وابتعادهم عن واحاتها ومراكزها التجارية. كان للجفاف الذي عرفته صحراء الملثمين في بداية القرن الخامس الهجري أثر كبير على ثروتهم الحيوانية ودور في الضغط عليهم من أجل البحث بشكل جدي أكثر من أي وقت مضى عن مصدر آخر للعيش، مما دفعهم إلى التفكير في استعادة دورهم التجاري في المنطقة. فتوحدوا في ظل قيادة واحدة، بزعامة أبي عبد الله محمد بن تيفاوت اللمتوني الذي اشتهر بالصلاح والجهاد وكان شعاره الجهاد في سبيل الله من أجل نشر الإسلام على نهج أهل السنة والجماعة في ربوع الصحراء والسودان الغربي . إلا أنه توفي بعد ثلاث سنوات من توليه زعامة الحلف الصنهاجي . وكان مقتله على يد جيوش مملكة غانة، فخلفه صهره يحيى بن إبراهيم.[/rtl]
[rtl]المؤسسين
يحيى بن إبراهيم
مقال رئيسي:  يحيى بن إبراهيم
[rtl]لما انتقلت الرئاسة إلى يحيى بن إبراهيم، خرج من دياره قاصدًا الجزيرة العربية, لأداء فريضة الحج تاركًا ابنه إبراهيم على السلطة عام 427هـ 1035 م. وبعد أداء الفريضة، انطلق بين المدارس الفقهية طالبًا العلم, فكان لقائه في القيروان بالإمام أبو عمران الفاسي. وتحدث إليه الأمير عن جهل قومه بأصول الدين، وطلب من أبي عمران أن يبعث معه أحد طلبته ليعلم قَومه. وضع الفقيه المالكي مع الزعيم الصنهاجي الخطوط الأولى لقيام دولة صحراوية على أسس دينية حسب مفهوم أهل السنة والجماعة، للقضاء على الفوضى السياسية والدينية التي كانت تعيشها بلاد المغرب.
أبي عمران الفاسي
[rtl]باب أبي الجنود، تم بنائها سنة 859م، في فاس، المدينة التي نشأ وتعلم فيها أبي عمران الفاسي
مقال رئيسي أبي عمران الفاسي
[rtl]نشأ أبي عمران الفاسي في فاس، وهي تحت سلطة مغراوة، فطور مواجهة معلنة لهذه القوى السياسية في مسقط رأسه؛ والتي أثبتت فشلها، واضطرته إلى الخروج من المغرب نحو القيروان ليرسم فيها اطر دعوة إصلاحية بمشاركة عناصر، أخرى مشرقية، حيث تردد أبي عمران الفاسي على بغداد ما يدعو إلى الظن أنه جلس إلى الفقيه الأشعري الماوردي ، وربما اطلع على مؤلفاته التي اشتهرت بعمقها في الفكر السياسي، والتي أبرزت تفهم كاتبها لمعطيات عصره السياسي، فاشترط تحالف الدين والقوة والمال من اجل إقامة الدولة. ويبدو أن أبا عمران كان شديد التأثر بتلك الرؤية، حين سعى إلى تطبيقها بالمغرب، عن طريق الاستعانة بعصبية صنهاجة، والتحكم في تجارة السودان لإقامة دولة المرابطين. كان خطاب أبي عمران ليحيى بن إبراهيم ذا مدلول ينبئ عن مشروع جهادي إصلاحي كان يسعى إلى تحقيقه لمواجهة التفكك المذهبي في المنطقة وتصحيح الأوضاع التي بسببها خَرج من موطنه مكرهاً
إن الفقيه الفاسي قد ندب الزعيم الصنهاجي إلى قتال برغواطة ببلاد السوس وقتال زناتة على ما صدر منهم من الظلم واستنْزال رؤسائهم من الولاية
عبد الله بن ياسين
]مقال رئيسي عبد الله بن ياسين، حاج بن زلو
[rtl]عرض أبي عمران المسألة على طلابه، الذين اعتذروا متذرعين ببُعد الصحراء وبداوة سكانها وغلظة طباعهم، وعدم تعودهم على الانصياع لأوامر الدين، ورأوا أن انتقاد عاداتهم، المخالفة للإسلام، سيعرضهم للخطر. فوجه الفقيه رسالة مع الأمير يحيى ابن إبراهيم إلى تلميذ له كان يعيش على الحدود الشمالية للصحراء بالمغرب الأقصى، يعرف بوجاج بن زلو اللمطي، والذي ينتمي إلى الشرفاء الأدارسة، يطلب فيها منه أن يوفد مع يحيى من يثق به، استقر وجاج بن زلو برباط على وادي نفيس في غرب أغمات, وتتلمذ على يده هناك عبد الله بن ياسين. انتقل بعدها وجاج إلى أكلو لتأسيس مدرسة ورباط بها (في الصورة).

[rtl]نهر السنغال، في نقطة قريبة من الحدود الموريتانية السنغالية الحالية
إنني أعرف ببلاد نفيس من أرض المصامدة فقيهاً حاذقاً تقياً ورعاً لقيني وأخذ عني علماً كثيراً، وعرفت ذلك منه، واسمه وگاگ بن زلو اللمطي من أهل السوس الأقصى وهو الآن يتعبد ويدرس العلم ويدعو الناس إلى الخير في رباط هنالك، وله تلامذة جمة يقرؤون عليه العلم
[rtl]كان رباط وجاج يقع بقرية أكو والتي اشتهرت لاحقا بكونها النواة الأولى لانطلاق الدعوة المرابطية. ولقد أثرت مسألة هل رباط أكلو هو المنطلق الفعلي لدولة المرابطين أم رباطا آخر أسسه وجاج ودرس فيه عليه عبد الله بن ياسين قبل تأسيس مدرسة أكلو، تتضارب آراء الباحثين حول هذه المسألة. وقع اختيار وجاج على عبد الله بن ياسين الذي اصطحبه الأمير يحيى إلى الصحراء،وأثناء عبورهما لها، حرص يحيى على أن يظهر ابن ياسين في أعين الملثمين كأنه شخص مقدس، فكان كلما اقتربا من حي من أحياء صنهاجة ينزل عن دابته، ويقود بالفقيه دابته إعلاء لشأنه وتكريما له، ويصفه لهم بأنه حامل سنة رسول الله، قد جاء يعلم أهل الصحراء ما يلزمهم في دين الإسلام.  أقاما هناك رباطاً، وبلغ عددهم سبعين رجلا، يتعلمون ويتفقهون في الدين بواسطته. فزاد عددهم حتى أن أمرهم ببناء مدينة في موضع يقال له "أرتنني" ففعلوا وهم مطيعين، إلى أن نشأ خلاف بينهم، فثاروا ضده وهدموا داره وأخذوا منه بيت مالهم، فخرج متسترا، وأراد العودة إلى شيخه وگاگ لكن اعترض عليه من بقي معه وطالبوه بالانزواء مع من يرغب في صحبته والتعلم عليه في جزيرة منعزلة، فاقتنع بذلك، وكانوا سبعة من جدالة وإثنين فقط لمتونة، وهما يحيى بن عمر وأخوه أبو بكر بن عمر. وظلت جماعات التائبين تتوارد عليه إلى أن اجتمع حوله ألف رجل فحولوا ملجأهم إلى رباط انطلق منه المجاهدون لإخضاع قبائل الصحراء. وأفلح عبد الله بن ياسين في تحريك القبائل الصحراوية من لمتونة وكدالة ومسوفة وغيرهم. وكان ياسين يستشير شيخه وجاج بن زلو ويرجع إليه في تدبير أموره، والتواصل بين الشيخ وگاگ وتلميذه ياسين كان يتم دائماً بالمراسلات وقد احتفظت المصادر التاريخية بواحدة منها تتضمن توضيح ابن باسين موقفه من شن الحروب على القبائل الخارجة عليه وتشدده في الحدود، بعد أن أنكر عليه شيخه وجاج ذلك.[/rtl]
بداية الدعوة
[rtl]كان الرباط الذي أقامه بن ياسين بنهر السنغال يقع قريبًا من مملكة غانا، متعمدا الاقتراب لتدريب جماعته في بيئة جهادية، والعيش في الرباط في حالة استنفار وحرب مستمرة، لكنه غير بعيد عن ديار المُلَثَّمين، كي يستند إليهم في حالات الخطر. وعمل على تحكيم الشريعة الإسلامية في مُجْتَمَعه الجديد، واهتمامه البالغ بالفقهاء والعلماء جعلهم يلتفون حوله ويسعادونه على تربية المرابطين بالرباط وتعليمهم وتأهيلهم للمرحلة القادمة، وكان لا يمنعه الحياء من طرد مَن لا يراه مناسبًا لهدفه المنشود. فتحول رباط السنغال إلى منارة في تلك الصحاري، وأصبح يستقطب أبناء قبائل صنهاجة إليه، كما وفر بعض الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، مما شجع القوافل على المرور بها، فأدَّى ذلك إلى ازدهار التجارة. وتميَّز الرِّبَاط بإدارة وتنظيم جيد ساعد على تشكيل مجلس للشورى، وجماة للحلّ والعقد تطورت مع مرور الأيام، وأصبحت مرجعية عليا لِلْمُلَثَّمِين. وبتقدم مرحلة تكوين المرابطين، الفقهية والحركية والتنظيمية، أصبح لعبد الله بن ياسين رجال يعتمد عليهم في تبليغ الدعوة لترغيب النَّاس في الإسلام، بدأ بإرسالهم إلي القبائل، فلبت مجموعة منها. ثم أمر تلاميذه أن يذهب كل منهم إلى قبيلته ليدعوهم إلى العمل بما أنزل الله لنبيه. فلم يجدوا استجابة كبيرة من أقوامهم، فخرج إليهم بنفسه، فجمع شيوخ القبائل ووعظهم خلال سبعة أيام، فلم يستجيبوا، فلمَّا يئس منهم أعلن الجهاد عليهم.[/rtl]
إعلان الدعوة
[rtl]الأمير أبو بكر بن عمر وهو بالقرب من نهر السنغال والنيجر، في خريطة بحرية لرسام الخرائط الميورقي ميسيا دي فيلاديستيس التي تعود لسنة 1413م. وأبو بكر هو أخو يحيى بن عمر، اشتهر بفتوحاته في القارة الأفرقية.[/rtl]
[rtl]باشر يحيى بن عمر للقتال وأمضى للحرب بنفسه، فقام ابن ياسين فأدَّبه, لأنه اعتبَرَها خطوة متهورة وعدم ضبط للنفس، خصوصا وأن الرجال المرابطين كانوا غير مستعدين للمنازلة. لكن عندما رأى ابن ياسين أنه استكمل التدريب وجهز العدة، تحرّك بالمرابطون أولاً صوب قبيلة جدالة، حيث اشتبكوا معهم وهزموهم وانقاد من تبقى منهم لدعوة بن ياسين، ثم ساروا إلي قبيلة لمتونة فقاتلوهم وانتصروا عليهم، ودخلوا في طاعة المرابطين، ثم مضو إلى قبيلة مسوفة فدخلت تحت لوائه وبايعوه، فلما شهدت باقي قبائل صنهاجة هذه الأحداث بادرت إلى مبايعة عبد الله ابن ياسين، وقلدتها كثير من قبائل الصحراء في ذلك. فترك في كل من تلك المنازل أحد من تلامذته يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام. تُوفي الأمير يحيي بن إبراهيم في إحدى الغزوات المرابطية، فقدَّم ابن ياسين مكانه يحي بن عمر اللمتوني، بعد أن اعتذر جوهر الجدالي، زعيم جدالة بعد بن إبراهيم، ورفضه المنصب يُعد قرار سياسي بعيد النظر من قبل ابن ياسين وجوهر، فصرفهم الزعامة إلى رجل لمتوني لرئاسة قوم غالبيتهم من جدالة فيه معانٍ تربوية تقاوم تقاليد العصبيات القديمة، وكذلك تجذب اللمتونيين لدخول الدعوة المرابطية. وبذلك أصبح للحركة قيادة دينية وسياسية ومجالس شورى. تحت زعامة يحيى بن عمر دخل الآلاف من قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين.[/rtl]
[rtl]صوب المرابطين أعينهم على إمبراطورية غانا لإسترجاع أوداغست، التي كان يسيطر عليها صنهاجة في حلفهم السابق، فتوجهوا إلى الشرق نحو منحنى النيجر سنة 447هـ 1056م، وخاضوا معركة قاسية توفي خلالها يحيى بن عمر، وانتصر المرابطون في الأخير، واستولوا على اودغشت وتوسعوا جنوبا في بلاد غانا حتى وصلوا ديار التكرور، الذين تحالفوا معهم وفتحوا الكثير من بلاد السودان الغربية فذاعت شهرة المرابطين في أرجاء الصحراء بسبب صدهم للفساد والنهب بحد السيف، ونشر تعاليم الإسلام على منهج المذهب المالكي، فتضاعف عدد المرابطين بذلك، كما زاد رصيد بيت المال بأموال الأعشار والزكاة، الأمر الذي مكنهم من مواصلة حملتهم لنشر الدعوة مدة أربعة عشر عاماً حتى خضوع عاصمة غانا سنة 454هـ 1062م.[/rtl]
فتح بلاد السوس
[rtl]سنة 447 هـ - 1055م كتب فقهاء سجلماسة ودرعة إلى ابن ياسين يُرغِّبونَه مساعدتهم للتخلص من حكامهم زناتة المغراويين وأميرهم مسعود بن واندين، فاستشار ابن ياسين مجلسه، فكان القرار بالإجماع على مد يد المعونة لهم، وقالوا له: أيُّها الشيخ الفقيه, هذا ما يلزمنا فَسِرْ بنا على بركة الله خرجت جموع المرابطين في شهر صفر سنة 447هـ إلى بلاد درعة، وعدتهم ثلاثون ألف جمل تصدى لهم المغراويين، وانتهت المعركة بهزيمة المغراويين ومصرع مسعود وتشتت جيشه، فدخل ابن ياسين سجلماسة وعين عليها عاملاً من لمتونة وحامية مرابطية وهي قاعدة أنشئوها قرب سجلماسة تعرف باسم مدينة تبلبالة، ثم عاد إلى الصحراء.[/rtl]
[rtl]تُوفى الأمير يحيى بن عمر فَعيَّن عبد الله بن ياسين أخاه أبو بكر بن عمر في مكانه، فتأهَّب أبو بكر لغزو بلاد السوس؛ ففى ربيع الثَّانِى سنة 448 هـ 1056م  سار المرابطون صَوْبَ بلاد السوس، ومعركة الواحات بزغ نجم يوسف بن تاشفين، وكان يلعب فيها دور قائد مقدمة جيش المرابطين المهاجم، وبعد فتح مدينة سجلماسة عيَّنه الأمير أبو بكر واليًا عليها، فأظهر مهارة إدارية في تنظيمها، ثم غزا بلاد جزولة وفتح ماسة ثم سار إلى تارودانت قاعدة بلاد السوس وفتحها، وكان بها طائفة من الشيعة، فحل مذهب أهل السنة والجماعة في مكانها.[/rtl]
أغمــــات
[rtl]وساروا بعدها إلى مدينة أغمات وحاصروها، وكان أميرها لقوط المغراوي, الذي اضطر إلى الفرار، فدخلها المرابطون عام 449هـ 1057م وأقاموا فيها شهرين، وتتبعوا فلول المُغراويين، واستطاعوا قتل أميرهم الفار، وتزوج أبو بكر بن عمر من زينب النفزاوية زوجة لقوط المغراوي.[/rtl]
[rtl]ثم سارت جموع المرابطين إلى أرض برغواطة، ونشبت بينهم معارك متتالية أصيب فيها موجِّه الحركة المرابطية ابن ياسين بجراح فحُمل إلى مقرِّ القيادة في معسكر المرابطين، وجمع شيوخ المرابطين وحثَّهم على القتال وحذَّرهم من التفرقة والتحاسد، وفارق الحياة بعدها واتفق المرابطون على اختيار أبي بكر مكان ابن ياسين، وبايعوه, فجمع بذلك بين الزعامة الدينية والسياسية، إلا أن القاضي عياض وابن خلدون يؤكدان على أنه وقع الاختيار للزعامة الدينية على سليمان بن حدو. تولَّى القائد الجديد الزعامة وخرج لقتال جنود الدولة البرغواطية، فهزمهم، وأعلنوا له الطاعة والولاء، ثم قصد أبو بكر مدينة أغمات، فمكث بها
[rtl]تابع سيره في شهر صفر سنة 452هـ 1060م، ففتح كل بلاد زناتة ومكناسة ولواتة بعد حصارها. وعاد إلى أغمات، قاعدة المرابطين العسكرية، وبعض اكتظاظها قرر أبو بكر اختيار عاصمة له. فكان الاختيار على موقع مراكش الحالية، وبعد التخطيط شرعوا في بنائها، لكن خبر إغارة قبيلة جدالة على لمتونة، جعلت من الأمير يسير إلى الصحراء لأجل الإصلاح بين القبائل المتنازعة، فقسَّم جيشه إلى فريقين، نصفه مع ابن عمه يوسف، الذي كُلف بتأديب القبائل المغربية المتمردة كمغراوة وزناتة وبنى يفرن
[rtl]استطاع أبو بكر التوسط بين لمتونة وجدالة، وتوسع في جهاد قبائل الصحراء من السود الوثنيين لتدخل في الإسلام؛ وبعد تعمقه في الصحراء وتحقيق نجاحات كبيرة في مهمته الدعوية؛ رجع إلى المغرب الأقصى بجيوشه؛ فاستقبلهم يوسف بن تاشفين بحفاوة عظيمة، ووقع اختيار أبو بكر بن عمر على يوسف بن تاشفين ينوب عنه على حُكم المغرب، بعد أن جمع شيوخ المرابطين والكُتَّاب والشهود، وأشهدهم على نفسه بالتخلي ليوسف عن الإمارة، معللا اختياره لتدين وشجاعة وعدل يوسف، وأوصاه:[/rtl]
   يوسف إنِّي قد ولَّيتُك هذا الأمر وإنِّي مسئول عنه؛ فاتق الله في المُسْلِمين, وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تُضيِّع من أمر رعيتك شيئًا؛ فإنَّك مسئول عنهم، والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك, وهو خليفتي عليك وعليه
فزوده يوسف بالمال والخيل والمؤن عندما استأنف أبو بكر الجهاد والغزو. وطلق أبو بكر زينب النفزاوية عندما عزم على السفر مبررا ذلك كونها لا طاقة لها على العيش والترحال المستمر مع الجيش تحت حرارة الصحراء، ونصحها بالزواج بابن عمه، فتزوَّجها يوسف بعد تمام عدَّتِها
توحيد المغرب

توجه يوسف بن تاشفين شمالا لمواجهة الزناتيين, واستفاد من الخلافات القائمة بين قادة تلك البلاد، فتحالف مع بعضها من أجل قتال الباقي، واستطاع أن يدخُلَ فاس من دون قتال سنة 455 هـ، إلى أن تمرَّد أهلها، وفي سنة 1067م تمكن من فتح كل البلاد الواقعة بين الريف وطنجة. وأعاد فتح فاس بالقوة بعد حصاره لها, فقضى بذلك على شوكة زناتة: مغراوة وبني يفرن، ونظم مساجدها وفنادقها وأسواقها، وخرج منها سنة 463 هـ متوجها إلى منطقة واد ملوية الشرقية. احتاج المرابطون بين فتح فاس ومنطقة تازة إلى ست سنوات من الصراع، صعب الأمر تحالف تازة مع الفاطميين، انتهت تلك المنطقة بوضع يدها في يد المرابطين. فأصبحت منطقة تازة ثغرًا منيعًا بينه وبين زناتة؛ يعتبر عام 467 هـ 1074 فاصلًا في تاريخ الدولة المرابطية؛ إذ بسط يوسف نفوذه على سائر المغرب الأقصى الشَّمَالي باستثناء طنجة وسبتة. وفي شبه الجزيرة الإيبيرية اضطر المعتمد بن عباد ملك طائفة إشبيلية أن يكتب إلى يوسف بن تاشفين يستدعيه للحوز برسم الجهاد ونصر البلاد. فأجابه يوسف بن تاشفين بقوله لا يمكنني ذلك إلا إذا ملكت طنجة وسبتة وفي حملته بين 1071 و1075 فتح فيها كرسيف ومليلية وسائر بلاد الريف وقضى على إمارة نكور وخرب مدينتها، تم توجه إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزناسن‏.‏ ثم افتتح مدينة تلمسان وقتل أميرها ورجع إلى عاصمته مراكش سنة 1075. وسار المرابطون إلى طنجة بجيش من اثني عشر ألف فارس مرابطي وعشرين ألفًا من سائر القبائل، وانتصروا وفتحوها سنة 1077. عاد بن تاشفين إلى المغرب الأوسط وافتتح وهران حتى وصل مدينة الجزائر ودخلها، وتوقف عند حدود مملكة بجاية التي حكمها بنو حمَّاد، فأقام يوسف في مدينة الجزائر الجامع الكبير. وعاد إلى مراكش عام 475 هـ 1081م، وتوحَّد بذلك المغرب الأقصى بعد ثلاثين عامًا من القتال.
تأسيس مدينة مراكش

عندما استقر جيش المرابطين الضخم بمدن أغمات وأوريكة، اشتكى شيوخ تلك المدن إلى الأمير أبو بكر بن عمر من ضيق المكان وكثرةالخلق وصعوبة العيش على تلك الحال، فطلب منهم الأمير أن يعينوا له موضعاً لبناء مدينة جديدة، فكان الاختيار على موقع بين بلاد هيلانة وهزميرة، كونها أرضا رحبة واسعة، غير مأهولة يمر بها وادي نفيس، قريبة من جبل درن، وكونها مسرحاً خصيباً للجمال والدواب يليق بمقصد الأمير. تم وضع أساس مراكش سنة 462 هـ 1069م، وشرعوا في بناء الدور من غير تسوير عليها، وفي عام 463 هـ 1070م، استخلف الأمير أبو بكر ابن عمه يوسف بن تاشفين مكانه على المغرب، فأكمل يوسف بناء مراكش وحصنها وأعانته القبائل في ذلك.]
الأندلس

بقيت سبتة المدينة الوحيدة التي لم تخضع له، فقام يوسف ابن تاشفين سنة 476 هـ 1083م بتوجيه ابنه المُعزَّ بجيش إلى سبتة لفتحها، فحاصرها برًّا وبحرًا. ودارت معركة بحرية واستطاع المرابطون فتحها سنة 1084م. كان حال الأندلس على نفس حال المغرب حين وصل يوسف بن تاشفين إلى سدة الحكم، حيث كان الحكم مبعثرا بين ملوك الطوائف التي كانت متناحرة بينها، واستغل ملك قشتالة ألفونس السادس تلك الأوضاع المتدهورة للأندلس وأقدم على احتلالها، فسقطت سرقسطة شمالا واحتل في طريقه مدينة طليطلة حتى وصل جزيرة طريف فكثرة رسائل أهل الأندلس تطلب النجدة والنصرة من المرابطين، وكان أبرزها الوفد المكون من قضاة إشبيلية وبطليوس وغرناطة. وعندما اطمئن الأمير المرابطي من أمر بلاد المغرب بعد توحيدها وتحسن أوضاعها؛ قرر العبور إلى الأندلس بعد أن اقترح عليه وزيره ومستشاره ابن أسبط، الأندلسي الأصل، بأن يطلب من المُعْتَمِد أن يتنازل عن مدينة الجزيرة الخضراء كي يتصرف بها جيشه بحرية ويتمكن من عبور البحر متى شاء، فوافق المعتمد وجمع القضاة والفقهاء، وكتب عقد هبة الجزيرة الخضراء للأمير يوسف، وتسليمها له بحضورهم، وكان يحكمها يزيد الراضى بن المُعْتَمِد، فأرسله إليه أمره بإخلائها وتسليمها للمرابطين
المرابطين تحت قيادة محمد بن عائشة وهم يحاصرون قلعة أليدو في مرسية.
المرابطين في حدود 1120م.

وبعدها أعلن الأمير يوسف حالة النفير العام من أجل الجهاد في الأندلس، فجائته قوات من مراكش ومن الصحراء وبلاد الزاب ومن مختلف نواحي المغرب، وبعد تجهيز السفن، كان أول من نفَّذ أمر العبور القائد العسكري المرابطي داود ابن عائشة, وتمركز في الجزيرة الخضراء، وتتابعت كتائب المرابطين، وكانت معهم إبلٌ كثيرة، الأمر الذي أثار دهشة ساكنة الأندلس. كان ركب الأمير يوسف وكبار قادة الجيش والفقهاء آخر من عبر البحر وكان ذلك يوم الخميس بعد الزوال منتصف ربيع الأول 479 هـ 1086م، وبدأوا في تحصين الجزيرة الخضراء، وترميم أسوارها وأبراجها، ثم سار متوجهًا إلى بطليوس واستراح بإشبيلية ثلاثة أيام وجه خلالها رسائل إلى ملوك الطوائف يستنفرهم للجهاد­،[فكان أول من لبى الدعوة صاحب غرناطة، وهو صنهاجي، وأخوه تميم صاحب مالقة، وأرسل ابن صمادح ملك ألمرية ابنه المعز، فاستقبلهم ملك بطلوس المتوكل بن الأفطس بالقرب من مدينته فتابعوا سيرهم حتى حطَّ رحاله عند سهل الزلاقة­, وكان يبعد عن بطليوس ثمانية أميال. كان الملك ألفونسو مشغولاً بمحاصرة سرقسطة فاضطر رفع الحصار عنها وعاد إلى طليطلة للم جيشه، فالتحم الجيش الإسباني بالمرابطي والأندلسي في معركة الزلاقة عام 479 هـ 1086م، التي انتهت لصالح المسلمين بنصر كبير وقبل رجوع الأمير يوسف إلى المغرب، جمع رؤساء الأندلس ونصحهم بالاتفاق والائتلاف، وأن تكون كلمتهم واحدة، ولقب يوسف بن تاشفين "أمير المسلمين". )

لكن الأوضاع سرعان ما تدهورت، لأن الخلافات بين ملوك الطوائف عادت إلى سابق عهدهم، فاضطر يوسف ابن تاشفين إلى أن يعود ثانية إلى الأندلس مجاهداً سنة 481 هـ، ودعى ملوك الطوائف إلى الجهاد معه فلم يستجيبوا إلا عبد العزيز صاحب طائفة مرسية. رأى ابن تاشفين أن الحل يكمن في عزل ملوك الطوائف وتوحيد الأندلس مع المغرب. عندما طلب منهم قائد المرابطين في الأندلس تسليم البلاد قامت الطوائف بمصالحة ألفونسو السادس ويدفعون له الجزية، كالمعتمد بن عباد وصاحب قرطبة وصاحب طائفة غرناطة. وكانت الجزية ثقيلة فكان ملوك الأندلس يفرضون ضرائب كثيرة على رعيتهم، حتى وصفهم ابن حزم بقوله: «لو وجدوا في اعتناق النصرانية وسيلة لتحقيق أهوائهم ومصالحهم لما ترددوا »، فاشتكى فقهاء الأندلس إلى يوسف بن تاشفين وأجازوا له خلع ملوك الطوائف وتفكيك دولهم، بل جاءته فتاوى أعلام أهل المشرق كالإمام الغزالي والطرطوشي تؤيد هذا الرأي
عزل ملوك الطوائف

استجاب يوسف وجهز جيشا وعبر الأندلس للمرة الثالثة في أوائل سنة 483 هـ 1090م، واتجه مباشرة إلى طليطلة التي أصبحت عاصمة قشتالية. وحين تبين له مناعتها، تركها عائدا إلى جنوب الأندلس متوجها صوب طائفة غرناطة، التي استلم له أميرها عبد الله بن بلقين. وتخبرنا المصادر الأندلسية أن ابن بلقين قد بعث، قاضيه عيسى بن سهل مرتين أو أكثر إلى المغرب سفيراً لدى المرابطين، لكن القاضي - كما زعم ابن بلقين - قد وشى لابن تاشفين على نقط ضعف أميره عبد الله ابن بلقين، وأعلمه أن أهل غرناطة مجمعين وغير مختلفين على طاعة ابن تاشفين، وأن قلوب الجند والعامة مع المرابطين، وبهذا شجع ابن سهل المرابطين على الاستيلاء على غرناطةن وتم ونفي ابن بلقين إلى المغرب سنة 484 هـلكن المرابطين صرفوا عيسى بن سهل عن قضاء غرناطة بعد سيطرتهم عليها، بسبب شدته في القضاء

فعاد أمير المسلمين إلى المغرب، وترك قادته يتموا خلع باقي ملوك الطوائف. فتلتها قرطبة ـ التابعة لبني عباد ـ وخضعت للمرابطين سنة 484 هـ - 1091م، وقتل حاكمها الفتح بن المعتمد. وبسقوط قرطبة المنيعة تبددت آمال المعتمد في نجاح مقاومة إشبيلية. أرسل الملك ألفونسو السادس جيشه بقيادة البرهانش باتجاه الجيش المرابطي المتوجه صوب إشبيلية بقيادة سير بن أبي بكر، فدارت بالقرب من إشبيلية معركة عنيفة انتهت بانتصار المرابطين. شهدت إشبيلية مقاومة شديدة للمرابطين بعد مساندة أنصار المعتمد من الإشبيليين، لكن ميل جزء من سكانها للمرابطين، خصوصا الفقهاء، ساعد في سقوط دفاعاتها واستسلامها، فأسر ونفي ملكها إلى أغمات في المغرب. وأخذت طائفة المرية من حاكمها معز الدولة أحمد بن المعتصم بن صمادح في رمضان من نفس السنة، ومرسية في شوال، وكذلك شاطبة ومدن أخرى سنة 485 هـ - 1092م. وأبقى يوسف بن تاشفين على بني هود في سرقسطة ليقوموا بواجب الدفاع، لما أظهروه من كفاءة قتالية في صد العديد من هجمات المسيحيين ولكونهم حائط يصد عن باقي الأندلس.
توسع المرابطين شمالا وجنوبا.

كانت مملكة بلنسية أهم قواعد شرق الأندلس، واستقر بها يحيى القادر، بعد أن جرده الإسبان من عرشه في طليطلة. وأخذ يمارس نفس أسلوبه عندما كان يحكم طليلة، حيث استعان بالإسبان، وأصبحوا هم السادة الحقيقيين لبلنسية، وكره سكانها ذلك بشدة. سرى الاضطراب في بلنسية وبدأت بوادر ثورة شعبية ضد يحيى القادر، فاستنجد بألفونسو بينما استعان أهل بلنسية بالمرابطين، الذين هبوا لذلك وأرسلوا جيشًا لنجدة أهلها، ولما اقتربت الجيوش المرابطية من بلنسية، ثار أهلها ثورة عارمة بقيادة قاضي المدينة ابن جحاف واقتحموا القصر وقتلوا يحيى ومثلوا بجتثه في شوارع بلنسية في 23 رمضان سنة 485 هـ 28 أكتوبر 1092م. غضب إل سيد القمبيطور لذلك، وهو فارس إسباني كان منفي من قشتالة، تزعم فريق من المرتزقة الإسبان وكانت سلطته على نواحي بلنسية كبيرة، وبسببه فتحت صفحة أخرى من جهاد المرابطين في الأندلس، حيث أنفقوا جهودا كبيرة لإنقاذ بلنسية من إل سيد الذي دوخهم، والذي كانت تأتيه المؤنة من قشتالة. وكان حليف مخلص ليوسف المؤتمن حاكم طائفة سرقسطة، وهو ابن المقتدر بن هود.

في سنة 490 هـ 1096م عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس للمرة الرابعة، لترتيب الأمور والدخول هذه المرة في قتال داخل أرض قشتالية، فوجه جيشا بقيادة محمد بن الحاج صوب طليطلة التي احتلتها قشتالة. والتقى بالقشتاليين وهم تحتى قيادة الفونسو السادس بالقرب من بلدة كنشرة (كونسويغرا حاليا)، فهزم المرابطون الجيش القشتالي سنة 491 هـ - 1097م. أخيرا دخل المرابطون بلنسية، معيدين فتحها، في شهر رجب سنة 495 هـ. توجه يوسف في نفس السنة إلى قرطبة ليبايع أهلها ابنه علي، وترك معه ابنه الآخر أبو الطاهر تميم بن يوسف، وهو أكبر سنًا من علي، فأمر يوسف ابنه علي بإنشاء جيشًا مرابطيًا ثابتًا، يوزعه على سائر القواعد والثغور الأندلسية. وعاد الأمير يوسف إلى مراكش، وأوصى ابن تاشفين ولي عهده، وهو معه في بمراكش، بحسن السياسة والرفق بالأندلس قبل أن يتوفى هناك في 1 محرم 500 هـ 2 سبتمبر 1106م. ترك الأمير يوسف أثرا كبيرا عند الأندلسيين، خصوصا موقفه الداعي لاستمرار السيادة الإسلامية على هذه البلاد وتفادي وقوعها في يد الإسبان والبرتغال، ووصيته لابنه بالإحسان إلى أهلها:
   
المرابطون     ... فلما قربت وفاته أوصى ابنه ولي العهد بعده أبا الحسن على ثلاث وصايا أحدها: أن يقبل من محسنِ أهلِ الأندلس ويتجاوز عن مسيئهم. الحلل الموشية - مؤلف أندلسي مجهول
   
المرابطون

خلف علي أباه وأخذت له البيعة، وعبر في سنة حكمه الأولى إلى الأندلس للقتال، وأجرى بعض التغييرات الإدارية، وعين أخاه أبو الطاهر تميم قائدا أعلى لكل جيوش الأندلس، ثم عاد إلى المغرب وكانت سرقسطة آخر دولة من ممالك الطوائف تدخل في طاعة المرابطين، وكان ذلك أواخر سنة 503 هـ 1110م بعد أن علمت القيادة المرابطية خطورة موقع سرقسطة. قام الأمير سير بن أبي بكر بشن حملة على الغرب الاندلسي فاسترجع بطليوس في مايو 1111م، بعد تمردها، كما استرجع لشبونة ويابرة وسينترا ودخل شنترين بين 26 و25 مايو من نفس السنة، وكلف الأمير سير الوزير ابن عبدون بتحرير رسالة إلى أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين يبشره بفتح مدينة شنترين، وكان نصا أدبيا:
   
المرابطون     من أحصن المعاقل للمشركين، وأثبت المعاقل على المسلمين... أرحب المدن أمدا للعيون، وأخصبها بلدا في السنين، ولا يَرِيمها الخصب ولا يتخطاها، ولا يرومها الجذب ولا يتعاطاها، فروعها فوق الثريا شامخة وعروقها تحت الثرى راسخة، تباهي بأزهارها نجوم السماء، وتناجي بأسرارها أذن الجوزاء، مواقع القطار في سواها مغبرة مربدة، وهي زاهرة ترف أنداؤها، ومطالع الأنوار في حشاها مقشعرة مسودة، وهي ناضرة تشف أضواؤها، وكانت في الزمن الغابر أعيت على عظيم القياصر فنازلها بأكثر من القطر عددا، وحاولها بأوفر من البحر مددا، فأبت على طاعته كل الإباء، واستعصت على استطاعته أشد الاستعصاء... فأمكننا الله -تعالى- من ذروتها, وأنزل ركابها لنا عن صهوتها    
   
المرابطون

سنة 511 هـ 1117م شن الأمير علي بن يوسف حصارا على قلمرية، وحسب قول ابن عذاري في البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، قام الأمير بفك الحصار بعد عشرين يوما وتركها لكن صاحب الحلل الموشية يذكر أن عليَّ بن يوسف افتتح هذه المدينة بجيش كبير، وكان أثره بها عظيما، حسب قوله.]
حدود الدولة المرابطية في أقصى امتدادها

بعد موت المستعين بن هود خلفه ابنه عبد الملك بن هود الملقب "عماد الدولة"، وبايعه أهل سرقسطة شريطة ألاَّ يُحَالِف النصارى وألاَّ يستعين بهم، لكن عبد الملك استعان بالنصارى، فتحرك أهلها مستنجدين بالمرابطين الذين استجابوا لندائهم بعد أن أفتى الفقهاء بذلك، فدخلوها سنة 503 هـ، وانتهى بذلك حكم بني هود في سرقسطة، شن ألفونسو المحارب بعدها حربًا خاطفة عليها ولكن القوات المرابطية ردته بشدة، وظلت سرقسطة آمنة من سنة 504هـ حتى سنة 511 هـ، حيث انشغل ألفونسو المحارب وقتها بحرب داخلية مع جيرانه القشتاليين.

بين محرم وربيع الأول 508م (يونيو وسبتمبر 1114م) خطط قادة الجيش المرابطي بالشرق الأندلسي لشن حملة لتدمير الكونتيات الكاتالونية الممتدة بين برشلونة إلى جبال البرانس. وكانت حملة مخططة بعناية : يصعد جيشٌ قوي كعمود فقري تحت قيادة محمد بن الحاج مخترقا مدينتي سيرفيرا و لاردة ، يدمر كل شيء في طريقه، كانت المهمة استدراج وجدب القوات المسيحية خارج برشلونة وتركها غير محصنة. وعندما تأكل القوات المسيحيين الطعم ينسحب هذا الجيش دون قتال من خلال مونيغروس إلى سرقسطة. في حين ينطلق العمود الثاني من الجنوب، تحت قيادة ابن عائشة، من فالنسيا عبر طريق أوغوستا الروماني متجها إلى برشلونة الغير محمية. الخطة كانت جيدة، جلب المرابطون من خلالها غنائم كبيرة، لكنها فشلت لأسباب غير معروفة، على الأرجح في طريق العودة فضل ابن الحاج تقسيم الجيش والمرور بطريق مختصر لكنه وعر، وكان حملهم من الغنائم ثقيل جدا، فاستغل هذا الأمر جيلبيرت الثاني فيكونت برشلونة ، فألحق بالمرابطين أضرار كبيرة وهم يعبرون طريق جبلي ضيق. تم لا توجد مصادر كثيرة عن هذه الموقعة، فلا يعرف على وجه الدقة تفاصليها، حيث لم تذكرها أي رواية عربية.

بعد أن انتهى ألفونسو من حروبه الداخلية أرسل بسفارة إلى بابا روما يطلب منه إعلان حرب صليبية على المسلمين وإرسال قوات فرنجية أغلبها من فرنسا للاشتراك معه في الاستيلاء على سرقسطة. حاول أهل سرقسطة بقيادة عبد الله بن مزدلي فك الحصار المضروب عليهم، ودخلوا في معارك دفاعية شرسة، انتصر فيها أهلها عدة مرات، وأرسل علي بن يوسف أخاه الأمير أبو الطاهر تميم على رأس قوات مرابطية كبيرة تجاه سرقسطة، ولكن تسارعت الأحداث وتوفي واليها ورجلها القوي عبد الله بن مزدلي بعد مرض سريع، وأصبحت المدينة بلا والٍ، وشدد المسيحيون من حصارهم للمدينة، ثم تردد الأمير تميم وأحجم عن نجدة المدينة لما رآه من ضخامة جيش ألفونسو المحارب، فانسحاب تميم إلى بلنسية تاركًا سرقسطة تواجه مصيرها وحدها، وفي يوم الأربعاء 3 رمضان 512 هـ ـ 18 ديسمبر 1118م، وبعد حصار شديد، دخل جيش أراغون إلى سرقسطة وبعد سنتين نشب قتال في 24 ربيع الأول 514 هـ يونيو 1120م بالقرب من قرية كتندة بأراغون في شمال الأندلس بين جيش ألفونسو المحارب والمرابطين، بقيادة والي إشبيلية إبراهيم بن يوسف، وعرفت النازلة بمعركة كتندة. انتهت بهزيمة المسلمين رغم بسالة قتالهم وعنفه، وكان ذلك بسبب تخاذل الجيش النظامي وتحمل المتطوعين وحدهم عبء القتال، سقط في هذه المعركة من كبار فقهاء الأندلس: العلامة أبو علي الصدفي وأبو عبد الله بن الفراء، وكانت هذه الهزيمة نكبة لهيبة الدولة المرابطية

في 2 سبتمبر 1125م شن ألفونسو المحارب هجوم داخل العمق الأندلسي، بدأه باكتساح مزارع فالنسيا وتخريبها، ومر عبر شاطبة إلى مرسية حتى وصل بُرْشَانَة بالميرية، وخلال هذا الاقتحام المفاجئ انظم في صفوفه النصارى المستعربين، وانتقل غربا باتجاه قرطبة التي خرب محاصل مزارعها، وخلد هذه الحملة الخاطفة بموتريل الغرناطية، بركوبه سفينة وأكله السمك على متنها، كدليل رمزي على وصوله البحر. كل هذا مر وجيش أبو الطاهر تميم يتتبع خطوات المغامر ألفونسو دون أن يلتقي الجيشان. وفي يونيو 1126 انسحب جيش ملك أراغون بعد أن تفشى الطاعون في صفوفه وقدوم قوات دعم فاسية ومكناسية، والتي هزمته في وادي آش خسر على إثرها أحد كبار قادة جيشه. صدرت في تلك السنة فتوى القاضي ابن رشد الجد استخلص فيها حكما للأمير علي بن يوسف بإبعاد النصارى المستعربين المعاهدين بغرناطة إلى المغرب لغدرهم بالمسلمين ومساندتهم لملك أراغون، فتم ترحيلهم إلى المغرب وبالضبط إلى مدينتي مكناس وسلا. سنة 528 هـ - 1134م استأنف ألفوسنو المحارب حملته على الأندلس وكان هدفه مدينة طرطوشة على الساحل الشرقي للأندلس ليضمن السيطرة على نهر أبرة، وكان عليه أن يستولي على مدينة إفراغة قبل ذلك، وضم جيشه إسبان وإيطاليين وفرنسيين وهولنديين، فأبدى أهل أفراغة مقاومة شديدة، فأمر ألفونسو بإحضار رفات القديسين إلى المعسكر لإذكاء حماس جنوده، وجعل قيادة الصفوف للأساقفة والرهبان. كانت الجيوش المرابطية قادمة وهي منقسمة في عدة سرايا نظرًا لأنها قدمت من عدة أماكن متفرقة، فوصلت إحداها مبكرًا من لاردة بمئتي جندي وأسرعت في الاشتباك مع الصليبيين، فهُزمت بسبب الفارق العددي، فعرض أهل المدينة التسليم مقابل أمانهم، فرفض ألفونسو المحارب وأصر على اقتحام المدينة بالقوة. في 23 رمضان 528 هـ 16 يوليو - 1134م وصل الجيش المرابطي بقيادة يحيى بن غانيه فوضع خطة لاستدراج جيش ألفونسو خارج أسوار المدينة، بواسطة قافلة من المؤن، فتحرك الصليبيون وانقض المرابطون عليهم، وخرج أهل إفراغة من أبواب المدينة وانقضوا على معسكر جيش ألفونسو فسلبوه ، وتمزق الجيش الصليبي ووقعت عليه هزيمة كبيرة، تركت بالغ الأثر في ملك أراغون، جعلته ينسحب من القتال مجروحا ويلجأ إلى دير خوان دي لابتيا في سرقسطة، وبه توفي بعد أشهر من المعركة


[/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl][/rtl]



zaara
zaara
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 6998

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المرابطـــــــــون Empty رد: المرابطـــــــــون

مُساهمة من طرف zaara الثلاثاء 25 مارس - 12:21:11

سياسة المرابطين

النظام الإداري الذي اعتمده المرابطين هو إمارة المسلمين، الذي يعتمد على اختيار الأمير وفق فقه الشورى، وكان أمير المسلمين هو القائد الأعلى وللمدن ولاة خاضعون للأمير، يقومون بالمهام العسكرية والإدارية، ويتم اختيارهم على أساس مكانته وتقواه وعدالته وعلمه وفهمه لمهمته وكان أمير المسلمين يختارهم من صنهاجة وبشكل خاص من لمتونة، ويتم مراقبتهم من قبل الأمير ونوابه، ويعاقب بالنقل أو العزل إذا قصر أو أهمل أو أساء السيرة أو ظهرت عدم كفايته، ويخضعون بشكل مباشر لنائب الأمير. وأحيانًا ينوبون عن أمير المسلمين في الجوانب السياسية أكثر من الجوانب الإدارية، كما ينبغي أن تتوافر فيهم حسن الادارة في الدولة طبقاً للتعاليم الإسلامية، مع الكفاءة الحربية العالية، وكثيراً ما كان ولي العهد يمثل منصب نائب الأمير وللنائب مهام عسكرية، إذا كان عليه مواجهة حركات التمرد وخوض الحروب، يعاونه في ذلك كبار قادة لمتونة ومجموعة من الكتاب وبذلك يمنح النائب صلاحيات واسعة منها، مراقبة أعمال الولاة، حق التصرف في عزل وتعين من دونه من الولاة المحليين، ومن يليهم من رجال السلطة، والقضاة، والقيام بتحركات عسكرية داخل مناطق نفوذهم ومن الذين تولوا منصب نائب الأمير في دولة المرابطين، شخصيات هامة يمثلون أعظم شخصيات الدولة بعد أمير المسلمين وهم: سير بن أبي بكر، وعلي بن يوسف بن تاشفين، وتميم بن يوسف بن تاشفين، ويحيى بن غانية ولي بلنسية ثم قرطبة، وأبو عبد الله بن الحاج شيخ الأندلس ومفتيها وقاضي الجماعة، وتاشفين بن علي، وكان أغلب من يتولى نيابة الأندلس يستقر في غرناطة، أو إشبيلية، أو قرطبة، ومن يتولى نيابة فاس يستقر فيها، عندما يكون الأمير في مراكش تلافياً للازدواجيةفي السلطة، ويلقب بسلطان المغرب]
لقب الإمارة

لما قتل أبو بكر بن عمر في إحدى غزواته في الصحراء سنة 480 هـ - 1087م. جمع يوسف بن تاشفين الفقهاء واقتراحوا عليه لقب أمير المؤمنين، إلا أنه رآه لقب يخص شجرة آل البيت التي ينحدر منها بنو العباس حاكمي مكة والمدينة، وما هو إلا قائم بدعوتهم في الغرب الإسلامي معترفا بالخليفة العباسي كممثل شرعي ووحيد للخلافة الإسلامية، واقتصر على استعمال ألقاب أمير المسلمين وناصر الدين من أجل تثبيت سلطته السياسية على بلاد المغرب والأندلس. تُعد النقود المرابطية الأولى كالدنانير السجلماسية دليلا تاريخيا باعتراف ضمني ومبهم بالخليفة العباسي إلى غاية فترة الأمير أبو بكر بن عمر المرابطي، التي نجد فيها بين سنوات 440 هـ - 480 هـ / 1058 – 1087م إسم عبد الله أمير المؤمنين، وغياب لقب العباسي يطرح شكوك حول من المقصود خصوصا وأن مؤسس الحركة المرابطية يدعى عبد الله، إلا أنه يبدو بداية الاعتراف بالخليفة العباسي، خاصة وأن يوسف بن تاشفين لم يكن يحمل في هذه الفترة سوى لقب أمير المغرب الأقصى، ولم يلقب بأمير المسلمين إلا بعد أن أصبحت سلطته واضحة المعالم على المستوى الصحراوي والمغربي والأندلسي وشرح فقهاء المالكية ليوسف بن تاشفين أن شرعية لقبه لن يكون تامًا إلا بموافقة الخليفة العباسي، فأرسل سفارة إلى الخليفة طالبا منه إمارة الغرب الإسلامي، ترأس البعثة شخصيتين بارزتين: أبو بكر بن العربي والقاضي المغربي إبن القاسم كان جواب الخليفة مختوم بتوقيع المستظهر بالله مؤكدا على ضورة استمرار التقليد الخليفي، وبقاء السلطة السياسية في يد أسرة بني ورتنطيق الصنهاجية التي ينحدر منها يوسف بن تاشفين. وعلى أمير المسلمين أن يستمر في سياسة حماية الثغور الغربية لدار الإسلام والاعتناء بالمذهب المالكي. ويعتبر هذا الاعتراف بالخليفة العباسي موقفا تحالفيا من الوجهة السياسية والمذهبية، للحفاظ على الاستقلال السياسي والمذهبي من خطر الخلافة الفاطمية القريبة من الحدود المرابطية.
القضاء

منح المرابطين للقضاة صلاحيات موسعة واستقلالية وتسخير السلطة التنفيذية لهم وإغداق الأموال عليهم لأداء عملهم. حسب الباحث علي الصلابي فإن المرابطون قطعوا أشواطا بعيدة في تنظيم القضاء واعتماد التراتبية الوظيفية في المؤسسة القضائية بدء بالرئيس العام للمؤسسة القضائية الذي يكون غالبا في مراكش ثم رئيس القضاء الإقليمي وهو " قاضي الجماعة " بالمغرب و" قاضي الجماعة " بالأندلس والذي تسند إليه إدارة المحاكم التابعة لإقليمه. ومن كبار القضاة في دولة المرابطين، ابن حمدين، وابن رشد الجد، وشيخ الأندلس ومفتيها ابن الحاج القرطبي، ويذكر المؤرخون رسالة وجَّهها الأمير يوسف بن تاشفين إلى أحد القضاة
  
المرابطون     ولا تُبالِ برغم راغم وتشفق من ملامة لائم، فآس بين النَّاس في عدلك ومجلسك حتى لا يطمع قوى في حيفك ولا ييأس ضعيف في عدلك، ولا يكن عندك أقوى مِن الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف مِن القوى حتى تأخذ الحق منه    
  
المرابطون

كان للقاضي مجلس شورى من أعيان الفقهاء يستشيرهم في احكامه ويسترشد بآرائهم ومقترحاتهم وخبرتهم. وكان القضاة يشرفون على صرف الولاة لأموال الدولة خصوصا تلك المرصودة للأوقاف والمصالح العامة فكانوا يطلعون بمهمتي "الآمر بالصرف" و" مفتش الدولة " في النظام الإداري الحديث

وفضل الأمراء المرابطين تعيين العنصر المغربي في مهمة القضاء، منهم عبد الملك المصمودي قاضي الجماعة بمراكش، وعبد الله ابن سعيد الوجدي الذي ترأس القضاء في بلنسية، وعبد الله اللخمي قاضي الجماعة بمراكش وكان بارعا في الحديث و الاصول، وعبد المنعم بن علوش الطنجي الذي تولى القضاء في عدة مدن بالاندلس، وابراهيم البصري قاضي سبتة، والعالم المناظر عبد الرحمن الكتامي الاصيلي المعروف بابن العجوز عظمه ابن تاشفين وولاه قضاء فاس بعد محنته في القيروان، وعبد الله الازدي القاضي المفتي الذي كان مشهورا بصلابته وعدم مصانعته وكان ابن يوسف يقدر فيه ذلك

وتمتعت الطائفة اليهودية بمحاكمها الخاصة فيما يخص نزاعاتهم وقضاياهم التي ليس فيها طرف غير يهودي دون تدخل الإدارة المرابطية في شؤونها، وكان لقضائهم كامل الصلاحيات في تقدير وتطبيق ما يصدرونه من أحكام وعقوبات على بني ملتهم أما إذا كان الخلاف بين مسلم ويهودي فإن التراع يرجع إلى المحاكم الخاضعة لسلطة الدولة المرابطية وأمام قاضي مسلم لكن يبدو أن هذا الأمر لم يكن معمولا به في جميع الحالات إذ وردت حالات عديدة رفع فيها التراع إلى المحاكم اليهودية، وعند عجز قضاء اليهود في الفصل في هذه الاشكالات يعيد النظر في التراع من جديد أمام المحاكم الإسلامية لإصدار الحكم النهائي.
العلاقات الخارجية
الخلافة العباسية

أول اتصال رسمي بين المرابطين والعبَّاسيين حدث عقب معركة الزِّلاقَة, واستيلاء بن تاشفين على الأَنْدَلُس لكن الاتصال خارج الإطار الرسمي حدث قبل ذلك بكثير حيث كان أبو عمران الفاسي وكلُّ فقهاء مدرسته، السُنيُّون المالكيُّون، مِن أتباع العباسية. ونقش على نقود المرابطين أسماء الخلفاء العبَّاسيين، وظلَّ اسم الخليفة العبَّاسي يذكر مقرونًا باسم أبي بكر بن عمران إلى أن توفى في عام 480هـ، وخلفه يوسف بن تاشفين فذكر اسمه على السكة مع اسم الخليفة العبَّاسي. (راجع فقرة لقب الإمارة)
مع دولة بني حماد

بعد نجاح المرابطين في فرض سيطرتهم على السوس الأقصى، توجه بلكين الحمادي بقواته لنصرة أبناء عمومته الملثمين أبناء صنهاجة الجنوب ودخل مدينة فاس وضرب الزناتيين من الخلف، ثم رجع إلى المغرب الأوسط مرة أخرى مما يدل على رابطة العصبية القبلية القوية بين صنهاجة الجنوب وصنهاجة الشمال عند مقاتلتهم عدواً مشتركاً لكن ما إن سيطر المرابطون على تلمسان حتى ساءت العلاقات بينهم، رغم توقف المرابطين في فتوحاتهم عند حدود دولة بني حماد، حفاظاً على حسن العلاقات بينهم إلا أن بني حماد خلقوا جو عدواني متمثلا في استغلال أي فرصة لمهاجمة أطراف دولة المرابطين، وكان أهمها عندما عبر المرابطون إلى الأندلس عام 479 هـ 1086م، فتحالف بنو حماد مع عرب هلال، فغزو أطراف عديدة من الأراضي المرابطية في المغرب الأوسط، وانسحبوا إلى ديارهم بالغنائم، الأمر الذي دفع الأمير يوسف بن تاشفين إلى الإسراع بالعودة إلى المغرب مباشرة بعد انتصاره بمعركة الزلاقة وتجنب يوسف بن تاشفين الدخول في الحرب معهم كونهم أقاربه ويشكلون حداً منيعاً بينه وبين عرب هلال، الذين يفوق خطرهم خطر بني حماد،  على استقرار دولة المرابطين. وأرسل يوسف كتاباً إلى أمير بني حماد يعاتبه فيه على استعانته بالهلاليين لغزو أراضيه في الوقت الذي يجب فيه ان يتحدوا لمواجهة النصارى في الأندلس فصالحهم ونشر قواته في المغرب الأقصى والأوسط، لقطع الطريق أمام أي زحف محتمل. استمرت حالة السلم بين الطرفين أكثر من عشر سنوات، إلى أن نشب الخلاف عندما هاجم والي تلمسان المرابطي مملكة بني حماد، دون إذن يوسف بن تاشفين، فزحف الناصر بن علناس بن حماد إلى تلمسان سنة 497 هـ 1103م، فتراجعت جيوش المرابطين أمامه، إلا أن يوسف بن تاشفين طلب منه التوقف، وصالحه واسترضاه بعزل والي تلمسان، وتولية أمير آخر مكانه.[145] وبضم المرابطون الأندلس إلى دولتهم، أصبحت دولة بني حماد ملاذاً للفارين من الأندلس 147 ومع ذلك لم يحتج الأمير يوسف، وبقي على هذا الأمر حتى وفاته. كما حاول بنو حماد تهدئة الصراع، كمصاهرة المنصور بن الناصر‏ مع المرابطين، وتحسنت العلاقات بينهم في المدة الأخيرة بعد وفاة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وكذلك عند ظهور خطر الموحدين
البحر الأبيض المتوسط

في فترات تدهور العلاقات بين المرابطين وبني حماد كانت العلاقات بين المرابطين والزيريون تتوطد، خاصةً في عهد الأمير تميم بن المعز، الذي كان على تواصل بين الأمير يوسف بن تاشفين. وقف الجيش المرابطي مع الزيريين في وجه النورمان الذين حاولوا مدّ نفوذهم إلى مدن شمال إفريقية التابعة للزيريين بعد استيلاء السفن النورماندية على بلرم وسرقوسة وأكتمال احتلال جزيرة صقلية بعد ثلاثين سنة من الغزوات المتواصلة أعقبها عام 483 هـ / 1090م الاستيلاء على مالطة فتفاعل كل ذلك لخلق ما سمي بالحرب الصليبية الأولى حيث خرجت 490 هـ/ 1096م من غرب أوربا أشتات من البشر يقودها بطرس الناسك و والتر المفلس مستهدفةً يافا دون أن يستطيع أسطول الفاطميين الوصول إلى المياه السورية لصدهم، فسارع أسطول المرابطين بشن هجوم وقائي على سواحل صقلية وجليقية وقطلونية،  وبادر المرابطون إلى مطاردتهم شرقي البحر المتوسط إلى سواحل الشام وسواحل الإمبراطورية البيزنطيةلكن توالي سنين القحط والجفاف في تونس، وانشغال المرابطين بالموحدين جعل النورمان يعاودون الكرة على أفريقية
الجيش

كان الجيش المرابطي جيشًا نظاميًا جديدًا ومدرب على الحياة العسكرية ومنقطع لهافي بداية تكوين الجيش المرابطي، كان يحيى بن عمر كثير الولاء لعبد الله بن ياسين، ويطيعه فيما يأمره به وينهاه عنه لذلك عقد عبد الله بن ياسين مجلساً للمرابطين  اخذ منه البيعة ليحيى بن عمر وجعله أميرا على المرابطين، وسماه أمير الحق وكلفه بنشر الدعوة، واستعان بلمتونة، أقوى قبائل الملثمين، وجعلها تتزعم حركة الجهاد، فأعد جيشاً لذلك وزوده بالمال والسلاح والخيل، بعد تأسيس بيت المال واقتنع عبد الله بن ياسين بالإشراف عن بعد، وابتعد عن الإمارة، وكان يقول: "إنما أنا معلم دينكم"، يأمرهم ويحثهم على الخروج إلى الجهاد. تكوَّن الجيش المرابطي في نواته الأولى من الملثمين, وقد اشتهروا بقوة بأسهم في الحرب، وحققوا انتصارات كبيرة في معاركهم في المغرب الأقصى و في الأَنْدَلُس، كما ضم فرقة الحشم والتي كانت تتكون من عناصر من زناتة والمصامدة، وكانت هذه الفرقة تتقدم عادةً الجيوش المرابطية في القتال. وبتوسع الرقعة الجغرافية للدولة انضمت عناصر جديدة في الجيش، منهم عرب الأَنْدَلُس الذين شكَّلوا فرقة أصبحت مِن أهم فرق الجيش، وعناصر عربية أندلسية استقرت في المغرب في عصر الأدارسة، وفريق قتالي مكون من عرب بني هلال التي انخرطت في سلك جيش المرابطين، وشاركت في معارك الجهاد، أشهرها معركة كنسويجرة.
  
المرابطون     فجر ابن تاشفين عسكرًا جرارًا من مرابطين وعرب وأَنْدَلُس الشرق والغرب، وقدم عليهم قائده مُحَمَّد بن الحاج، فالتقوا بكنثرة فكانت بينهم جولات وحملات إلى أن زلزل الله أقدام المشركين, وولوا مدبرين. ابن الكردبوس، الاكتفاء في أخبار الخلفاء    
  
المرابطون

ومن مكونات الجيش المرابطي قوى الحرس الخاص التي تألفت مِن جنود شجعان من مختلف الولايات، وكان يشترط في قبولهم أن يكونوا من ذوي القوام الحسن والشجاعة الفائقة والقوة والبراعة، وضمَّ فيه علي بن يوسف الكثير من أسرى الحروب، منهم جنود نصارى، أمثال ريفيرتر الأول، واعتنق بعضهم الإسلام،[175] كما فعل علي بن ريفيرتير. وأصبح الحرس الخاص ركنًا أساسيًا من أركان الجيش، حيث شارك في حراسة معاقل المغرب.[176]
  
المرابطون     جمع يوسف بن تاشفين من تجار الرقيق من أقليم غانا، عددًا كبيرًا مِن العبيد واختار منهم أمهرهم وزودهم بالسلاح والخيل, ودربهم على جميع فنون القتال، وأنشأ من حرسه الخاص الأسود مِن ألفى رجل، وأنشأ على هذا النمط حرسًا خاصًا مِن الأَنْدَلُسيين يتألف من فتيان مِن النصارى المعاهدين، وكان يوسف يحبوهم بعطفه وصلاته، وينعم على مَن امتاز منهم بالإخلاص والشجاعة بمختلف الهبات مِن الخيل والثياب والسلاح والعبيد.يوسف أشباخ، تاريخ الأندلس[177]    
  
المرابطون
الأسطول البحري

من أجل حماية وتأمين السواحل البحرية والموانئ الساحلية الواقعة على المحيط الأطلسي والثغور الشمالية في المغرب كسبتة وطنجة كان على المرابطين ركوب البحر والاهتمام بالصناعة البحرية، فدفعهم الأمر لإنشاء أسطول، خصوصا عندما تحولت الأندلس إلى ولاية مرابطية وسرعان ما بلغ عدد قطع الأسطول المرابطي مائة قطعة موزعة على الموانئ الرئيسة من المغرب والأندلس، فكانت لهم في سبتة وقادس والمرية أساطيل دائمة وتطورت صناعة السفن وأصبحت ذات شهرة عالمية، واكتسبت دار الصناعة في المرية أهمية كبيرة وكانت تصلها السفن التجارية من الشام والإسكندرية تألف أسطول المرابطين من سفن النقل، والسفن المقاتلة، واشترك الأسطول الناشئ في حصار سبتة عام 476 هـ 1083م، ومد العون للقوات البرية التي كانت تقاتل برغواطة كما استطاع الأسطول الجديد أن يمد يد العون لقوات المرابطين وهي تجتاز البحر لأول مرة، وقد ظهر الأسطول المرابطي كعنصر فاعل في عدة معارك جهادية استطاع من خلالها استرجاع جزر البليار ومناطق عديدة أخرى، وشهد الأسطول المرابطي ازدهارا آخر في عهد الأمير علي بن يوسف بن تاشفين، حتى وصل إلى عشرة أساطيل في عهد ابنه تاشفين عام 539 هـ 1144م. وكانت أسرة بني ميمون هي التي تسير أغلب هذه الأساطيل وانتقلت على يدهم إلى خدمة دولة الموحدين بعد غروب شمس المرابطين
الأعلام والرايات
أحد رايات المرابطين، الرسم مأخوذ من لوحة جدارية تمثل حصار ميورقة، موجودة بمتحف الفنون الكتلونية، برشلونة
طائرين من الطاووس يحملان شجرة المرابطين، قطعة تم اعادة استعمالها في رداء كاهن، كاتدرائية سانت سيرنين، تولوز
راية مرابطية مرسوم عليها زوج من حيوان الفتخاء الأسطوري. متحف المتروبوليتان للفنون، نيويورك

لعبت الرايات والأعلام دوراً بارزاً عند المرابطين، حيث شكلت عنصراً متميزاً في نظمها الحربية وأساليبها القتالية، وهي تكشف عن جوانب هامة من تطور النظام البدوي في فن القتال. تميزت تقاليد المرابطين في خوض غمار الحرب بطقوس خاصة أدهشت وأرعبت خصومهم قبل ظهور يوسف بن تاشفين كانوا في إعداد الجند للقتال يعتمدون أساساً على الرجالة والأبالة الذين يقاتلون على النجب التي تقوم في القتال مقام الخيل.
راية المرابطين بين 1073-1147م.

يصف الجغرافي أبا عبيد البكري الروح المعنوية العالية عند الملثمين المرابطين، ومميزات أسلوبهم القتالي والتاكتيكي، كالدقة في التنظيم والثبات في القتال؛ والغاية من رفع الراية هي البدء والانطلاق في المعركة: فإذا نصبت وقفوا وإن مالت جلسوا؛ واستماتهم في القتال
  
المرابطون     ولهم في قتالهم شدة وجلد ليس لغيرهم. وهم يختارون الموت على الانهزام ولا يحفظ لهم فرار من زحف، وهم يقاتلون على الخيل والنجب، وأكثر قتالهم رجالة صفوفاً بأيدي الصنف الأول القني الطوال للمداعسة والطعان وما يليه من الصفوف بأيديهم المزاريق يحمل الرجل الواحد منها عدة يرزقها فلا يكاد يخطئ ولا يشوى لهم. ولهم رجل قد قدموه أمام الصف بيده الراية. فهم يفهمون ما وقفت منتصبة، وإن أمالها إلى الأرض جلسوا جميعاً فكانوا أثبت من الهضاب. ومن فر أمامهم لم يتبعوه. وهم يقتلون الكلاب لا يستصحبون منها شيئاً.    
  
المرابطون
راية للمرابطين

ويرى ابن الخطيب أن راية المرابطين سوداء مثل راية العباسيين، وكانت مستطيلة الشكل متعددة الألوان موشاة بالذهب وصنعوها من الحرير الخالص ولونوها، واستمروا على الإذن فيها لعمالهم. أشار ابن عذاري إلى كثرة الرايات التي استعمل المربطون في حروبهم وجهادهم ضد نصارى الأندلس أيام تاشفين بن علي
  
المرابطون     فكان في القلب مع الأمير تاشفين وجوه المرابطين وأصحاب الطاعات وعليه البنود البيض الباسقات مكتتبة بالآيات، وفي الجانبين الكفاة والحماة من أبطال الأندلسيين وإدمار المجاهدين عليهم حمر الرايات بالصور الهائلات؛ وفي الجناحين أهل الثغر، وذوو الجلادة والصبر؛ وفي المقدمة مشاهير زناتة ولفيف الحشم بالرايات المصبغة والأعلام المنيقة. فهزم الروم واستنفد الأسرى.    
  
المرابطون

اختلفت أشكال الرايات وألوانها تبعاً لاختلاف القبائل المشاركة في حروب المرابطين بالأندلس، نتيجة لتطعيم الجيش المرابطي بعناصر جديدة من البربر والأندلسيين والأعراب وغيرهم. وحملت الراية المرابطية الآيات والعبارات التالية في شكل أشرطة كتابة بالخط الكوفي المورق على هذا النحو: الشريط الأول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الشريط الثاني: وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم. ومن يتبعَ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
فترة الركود
ظهور الموحدين
تحول انتصار ألفونسو الأول على المرابطين في أوريكي، إلى معجزة أوريكي، وخُلدت في المخيلة الشعبية البرتغالية كانتصار بمدد إلهي، مثل تخليذهم لانتكاسة معركة وادي المخازن لاحقًا.
انتصار البرتغاليين على "الموروس"، لوحة جدارية في الزليج لجورج كولاصو، تخليدا لمعركة أوريكي.

بعض المصادر أوردت خبر لقاء الإمام الغزالي بالمهدي بن تومرت في المشرق، ودعاءه على أمراء المرابطين بقوله: اللهم مزق ملكهم كما مزقوه وأذهب دولتهم كما حرَّقُوه في إشارة إلى كتابه إحياء علوم الدين، لكن المؤرخين اختلفوا حول لقاء ابن تومرت بالإمام، فمنهم من يؤكد ذلك مثل ابن القطان؛ وصاحب الحلل الموشية ؛ وابن أبي زرع؛ والناصري، وابن خلكان ومنهم من تحفظ على هذه الرواية كعبد الواحد المراكشيوابن خلدون ومنهم من أنكر اللقاء من الأصل مثل ابن الأثير

ورجع ابن تومرت إلى المغرب وقد أصبح بحرا متفجرا من العلم وشهابا في الدين، حسب تعبير ابن خلدون، فأخذ عليه العلم عبد المؤمن بن علي وبدأوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقتهم الخاصة في أرجاء بلاد المغرب الأقصى،[211] وقد انضمَّ إليهما خمسة آخرون، وأصبحوا بذلك سبعة أفراد إضافة إلى بن تومرت فوجدوا حسب رؤيتهم أن المنكرات قد كثُرت في بلاد المرابطين، كالخمور التي تفشَّت حتى في مراكش، وعودة الضرائب، والاختلاط صار شيئًا مألوفًا بين الناس؛ ويروي المؤرخون أن ابن تومرت رأى بنفسه امرأة تكشف وجهها ورأسها وقد خرجت وعليها حراسة كبيرة، وحينما استفسر عن صاحبة هذا الفوجة، علم أنها أخت أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فأنكر ذلك عليها إنكارًا شديدًا؛ حتى إن بعض المصادر تثبت أنه وأصحابه اعتدوا على ذلك الموكب استمر المرابطين في مشروعهم الجهادي بالأندلس، رغم مواجهتهم قيام ثورة المريدين التي قادها ابن قسي في ميرتلة بالبرتغال وثورات أخرى في يابرة وشلب وباجة وغيرها من مدن الأندلس، وبالأخص لخطر الموحدين بالمغرب في نفس الوقت، فاشتدت المعارك في غرب الأندلس الذي تكاثرت عليه ضربات القشتاليين، لكن انشغالهم في حرب الموحدين على أرض المغرب، أدى إلى ضعف قوتهم، حيث قام ابن تومرت بمنازلة المرابطين في مواقع عديدة، ابرزها وأضخمها تسع معارك ، انتهت سبع منها بانتصارهم على المرابطين، وهُزموا في اثنتين. وبعد وفاة ابن تومرت تولى قيادة الموحدين عبد المؤمن بن علي الذي استطاع تجميع الموحدين، وبعد ذلك اتجه لقتال المرابطين.
أزمة اقتصادية

حدثت أزمة اقتصادية حادة في ربوع الدولة المرابطية؛ ففي سنة 532 هـ وقع فيضان كبير بطنجة، حمل الديار والجدر، وسقط فيه عدد كبير من الناس والدواب كما فتك الجراد بحقول الأندلس بين 526 هـ - 531 هـ، فاشتدت المجاعة وانتشر الوباء في سنة 526 هـ بأهل قرطبة، فكثر الموتى وغلاء الأسعار حيث بلغ مُدُّ القمح 15 دينارًا مرابطيا وكان قد وقع قبل ذلك بسنة 525هـ، حريق ضخم في سوق الكتانين بقرطبة، واتصالها بسوق البز، كذلك حدث في سنة 535 هـ حريق ضخم آخر في سوق مدينة فاس، فاحترقت سوق الثياب والقراقين وغير ذلك من الأسواق إلا البقالون، وحدث ذلك ليلا فتلفت أموال كبيرة، افتقر بسببها خلق كثير. وبعض المصادر تتحدث عن القحط الذي حلَّ بالبلاد، فيبست كثير من الأراضي وجفَّ الزرع وهلكت الدواب وحصلت هجرة ضخمة للبربر نحو الأندلس سنة 535 هـ/ 1140م وصفها ابن عذارى "بالانجلاء العظيم إلى الأندلس"، سببها جملة من العوامل كانعدام الأمن و غلاء المعيشة والمجاعات بسبب كثرت الحصارات عند زحف الموحدين إلى المنطقة الشمالية للمغرب الأقصى
أبناء علي

انتقلت ولاية العهد إلى تاشفين بن علي، وجاءت ولايته في زمن غير مناسب وفي فترة انتشرت فيها دعوة الموحدين في بلاد المغرب وأخذت تحرض القبائل على التمرد مستفيدة من ضعف رقابة المرابطين وانشغال قواتهم في التصدي لهجمات متكررة من النصارى في الأندلس. فشن ألفونسو السابع على حصن مدينة قورية حصارا عام 1138 م، وفشل في مبتغاه، وكرر الحصار عليها سنة 1142، فنجح في الاستلاء عليها. وتم استرجاعها بعد وفاته

حاول تاشفين تنظيم الدولة وإعادة جدولة أولوياته السياسية، فوجد أن ضغظ الموحدين في المغرب أكثر شدة من ضغط الممالك المسيحية في الأندلس. فالحروب التي شنها الموحدون أحدثت حالات خوف في بلاد المغرب، فاضطرب الأمن وازدادت الانقسامات، فحصلت موجة نزوح معاكسة من المغرب إلى الأندلس هربا من مخاطر غير محسوبة، خصوصا بعد أن تحرك عبدالمؤمن من بلاد المصامدة إلى الغرب، وبدأ الموحدون يقتربون إلى ريف سبتة وتطوان في سنة 536 هـ 1141م.

استخدم تاشفين كل الوسائل للقضاء على الموحدين ففشل، الأمر الذي خيب أمل والده علي بن يوسف، فعزم على خلعه، وتسمية ولده الأصغر إسحاق وليا للعهد، خصوصا بعد أن نجح جيش عبدالمؤمن الموحدي في غزو مدينة المزمة والواط ومليلة ووهران، وأخذت القبائل المتحالفة مع المرابطين تفك الطاعة وبدأت تميل إلى المصامدة.
سقوط مراكش

تولى إبراهيم بن تاشفين سنة 539 هـ الحكم بعد مصرع أبيه تاشفين، وكان وقتها في سن الرابعة عشرة ، وقد رفض عمه الأمير إسحاق هذه الولاية، وانقسم المرابطون فيما بينهم، فاقتتلوا داخل مراكش والموحدون على أبوابها، ولم يكن لإبراهيم شيء من الأمر لأنه كان صغيرًا، وظل الموحدون محاصرين لمراكش عدة شهور، وفي النهاية في 18 شوال سنة 541هـ دخل الموحدون مراكش عاصمة المرابطين وقتلوا أهلها جميعًا في مذبحة مروعة كانت سمة عامة وغالبة في الموحدين، وأول من راح في هذه المذبحة الأمير إبراهيم وهو فتى في السادسة عشرة من عمره، وقتل كل من انتمى لقبيلة لمتونة، أساس دولة المرابطين.
بنو غانية

حظي علي بن يحيى المسوفي بمكانة رفيعة عند المرابطين، الأمر الذي مهد لإبنيه، يحيى ومحمد، الطريق لتسلق مناصب كبيرة بخطى سريعة وثابتة، واشتهارهم "بابني غانية" نسبة إلى أمهما غانية. عُيِّن يحيى والياً على غرب الأندلس سنة 520 هـ/ 1126م من قبل علي بن يوسف، وظل في منصبه حتى وفاته بمدينة غرناطة، وتميزت فترة يحيى باستتباب الأمن والاهتمام بإصلاح حال الرعية، وكان يعاونه أخوه محمد، الذي كان والياً على قرطبة. بدأت أحوال الأندلس تضطرب بعد وفاته، ولم يخلف يحيى ذرية تحل مكانه، وبدأت تسير الأمور في غير صالح المرابطين في هذه الأجواء المضطربة لجأ أخوه محمد إلى جزر ميورقة ومنورقة ويابسة فإترحل إليها وملكها. واستدعى محمد ابنيه، الذين عيِّنهم عمهم قبل وفاته على غرناطة وقرمونة، للالتحاق به بميورقة. واستمر بنو غانية من تلك الجزر في الدعوة للعباسيين جرياً على عادة أسلافهم المرابطين وأصبحت ميورقة قبلة للمتونيين الفارين من بطش الموحدين، والرافضين للخضوع لسلطتهم. وخلف إسحاق والده محمد، واهتم بالجهاد، وكان يشن غزوة على بلاد الروم مرتين في السنة. فعاد علي علي الأمر بغنائم كثيرة وكثر ماله وتشبه بالملوك. كان الاختلاف في الانتماء القبلي بين الموحدين والمرابطين، حيث ينتمي مؤسس الدولة الموحدية إلى قبيلة هرغة المصمودية وخليفته عبد المؤمن بن علي إلى قبيلة كومية الزناتية؛ بينما ينتمي بنو غانية والمرابطون إلى قبيلة لمتونة، والاختلاف في المذهب، حيث يتبنى الموحدون مذهباً يعتمد على الكتاب والسنة ويرفض غير ذلك، بينما يتبنى المرابطون وبنو غانية المذهب المالكي، كل ذلك شجع بني غانية على الثأر لبني عمومتهم حكام الدولة المرابطية، ولأنفسهم، واستعادة مجدهم.
الأربطة

تعود الجذور التاريخية والاصطلاحية لمصطلح الرِّباط جمع الأربطة لاسم مشتق من الجذر ر ب ط ويقصد بها ملازمة المكان والثبات فيه، أي المواظبة على لزوم الثغر في المفهوم الجهادي برزت المصطلحات المتعلقة بالمرابطة في تاريخ مبكر مع انطلاق موجة الفتوحات الأولى. إذ تكررت عبارات: رابطات الشام ورباط الإسكندرية. فذلك لأن استعمال مصطلح الرباط خلال هذه الفترة المبكرة إنما كان المقصود به صفة ملازمة الثغر والحصن والتأهب لملاقاة العدو في أماكن معينة عرفت بالمرابطة. وكانت المالكية من أول من استعمل مصطلح الرباط، كما عرفها ابن أبي زيد القيرواني: الرّباط هو المقام حيث يخشى العدو بأرض الإسلام لدفعه.
دير الرابطة، هو دير للفرنسيسكان حاليا، كان أحد أربطة الجيش المرابطي. يقع بالقرب من بلدية بالوس دي لا فرونتيرا، بولبة في أندلسيا.

جذور ظاهرة المرابطة تعود إلى عصر مبكِّر مع انطلاق عمليات الفتح نحو الشام وفي مصر. ونقل البلاذري عن عناية عمر بن الخطاب وعثمان بتحصين السواحل وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الأربطة والمناظر والمسالح كان الرباط يلعب نشاطاً أو عملاً عسكرياً ذا صبغة دينية بمنزلة الجهاد نفسها. وكانت الأربطة مركزاً للنساك وأهل العلم من دعاة المالكية، خاصة خلال المناسبات الدينية. والدولة كانت هي المسؤول الأول عن إقامة التحصينات وترميمها وأعمال الصيانة فيها وإدارة كل منها كانت مستقلة عن باقي الأربطة في التصرف في التسيير والعتاد تحولت هذه الرباطات إلى زوايا في العصر الحفصي

انطلق انتشار الأربطة في الأندلس بالتدرج فأدرك الأندلسيون أهميتها، وشكل عصر الأمير عبد الرحمن الأوسط البدايات الأولى للأربطة في الأندلس، إذ بعد أن عاني الأندلسيون من شدة وطأة الغزوة الأولى للنورمانديين، أخذت الأربطة تظهر تباعاً على طول السواحل الشرقية والجنوبية الشرقية الأندلس، فعرفت في تلك المنطقة الشاسعة أربطة عدة، من أشهرها: "رباط المرية" وهو من أشهر وأهم الأربطة في بلاد المغرب، ركزت "دار المرابطين"، كالتي أسسها وجاج بن زلو اللمطي، على نفس البرنامج الذي اتخذته نظيرتها المشرقية، الذي يركز زعيمها الروحي على التهيئة الروحية بإخضاع المرابطين فيها لنظام خاص قوامه اعتياد التقشف وشظف العيش والصرامة في السلوك والدقة في التعلم وهو أسلوب مكن خريجي دار المرابطين من التعامل، خلال خروجهم للدعوة، مع مجتمعات بدو الصحراء، الذين يتأثرون بالسلوك والعمل لا باللسان والجدل. توسعت وظيفة الرباط فتحول مكاناً يخلو به الزهاد والعباد ويجتمع فيه طلبة العلم ويقصده عامة الناس للاستفتاء والمشورة الفقهية ولطلب المساعدة الاجتماعية وللتظلم وطلب الحقوق، ويقوم فيه الشيخ العالم بدور الناصح والمعلم والمربي والساعي في الخير بين الناس
الدين
مخطوطة "كتاب الصوم" من موطأ مالك، تعود لمكتبة خاصة لعلي بن يوسف بن تاشفين في مراكش، مؤرخة في 1107م.

طغى طابع المذهب المالكي منذ البداية على مشروع الحركة المرابطية، وتقبل أهل الصحراء لهذا المذهب وبسهولة يفسر نجاح دعوة المرابطين واستمرارها في المنطقة. اندرج أبي عمران الفاسي وتلاميذه ومن تخرجوا عليهم ضمن طبقة من الفقهاء متوزعين على مجالات مدينية قبلية مساهمين بدرجة أو بأخرى في التهيئة للمشروع المرابطي. رغم موقف المالكية المتشدد برفض علم الكلام أسوة بالإمام مالك، إلا أن الأشعرية تسربت من بغداد إلى فقهاء المالكية بالقيروان عن طريق أبي بكر الباقلاني وكان المتصل به المنظر الأول للمشروع المرابطي الفقيه أبو عمران الفاسي. لكن يلاحظ غياب دور واضح فيها للأشعرية، رغم أن هذه الأخيرة كانت من مشمولات الخطاب الفكري المرابطي، ومن أسباب غياب الأشعرية من الفضاء المرابطي هو عدم تقبل البدو الرحل للنّزعات الباطنية التي تميل إلى التعقيد. لأن الصنهاجيون كانوا يميلون إلى الأفكار التي تلائم حياتهم المتمثلة في الزهد والبساطة وصرامة الأحكام وسد الذرائع يربط الباحثين بين المشروع المرابطي وعملية المد السني التي بدأها الأشاعرة على مستوى المشرق، أي أنهم يعتبرون الحركة المرابطية عملية تطويق للمذهب الإسماعيلي من الغرب استكمالاً للدور الذي قام به السلاجقة شرقاً وكان الاهتمام بالفقهاء من أهم صفات مجالس أمراء المرابطين، فكان يقصدهم العلماء من كل أرجاء البلاد. في كتاب الفتاوى للغزالي توجد فتوى متعلقة بما طلبه يوسف بن تاشفين من قضاة الأندلس في الإفتاء بأحقيته في عزل الرؤساء العصاة من ملوك الطوائف ووردت تآليف الغزالي على المغرب وهو ما يزال على قيد الحياة، وقد تتلمذ على يده العديد من المغاربة، منهم أبا بكر بن العربي، وجرت مكاتبات بين يوسف بن تاشفين وبين أبي حامد الغزالي وكان من المفارقات الغربية أن دولة المرابطين كانت لها مكانة خاصة ومحمودة عند أبي حامد، تحولت لاحقا بإصدار فقهاء المرابطين فتاوي ضد مؤلفاته. بل يروى أن أبي حامد الغزالي عزم على المضي إلى زيارة يوسف بن تاشفين، لكن بلغه خبر موت السلطان المغربي في طريقه، فعاد إلى خراسان. وكان إمام جامع قرطبة الحافظ والمقرئ والمجود ابن خير الإشبيلي
وتمتع المسيحيون  واليهود بحرية ممارسة شعائرهم، حيث كانت مساكنهم في أحياء خاصة بهم وعادة ما تكون مزودة بكل المرافق الاجتماعية التي تخصهم ففي مراكش مثلا خصص لهم حي به حانات وأسواق لبيع الخمور ولحم الخنزير

وجاء في فتوى لابن تاشفين أن الذين أسلموا خوفا يقبل إسلامهم، وإذا رجعوا عن الإسلام لهذا السبب يعذرون " إذ لا ملامة عليه (من رجع إلى النصرانية ) في أن يفر من الظلم بالخديعة والتلاعب
التصوف

من أقطاب التصوف في تلك الفترة تبرز أسماء ابن بَرَّجان وابن العريف وابن قسي وابن حرزهم. وكان الأمير علي بن يوسف متسامحا وكريما مع المتصوفة، خصوصا مع من انقطع منهم للعبادة والزهد، لكنه كان متعقبا لمن يمارسون السياسة، حيث دخل الأمير في صراع علني ومواجهة محتدمة بين أحد الوجوه الصوفية التي كان لها حينئذ ثقل بارز في الأندلس وهو ابن برجان، وسعت السلطات إلى وضعه وأتباعه خارج سياج الشرع عن طريق اتهامهم بتأويل النصوص القرآنية والخروج عن السنة. على رغم ذلك تمكن ابن برجان بذكائه من دفع التهمة عنه بتوضيح ما كان غامضا من تأويلاته وكان لحادث إحراق كتاب إحياء علوم الدين في قرطبة أثر كبير ولا زال، بين الفقهاء وأهل الكلام حيث يعد أحد أهم مؤلفات أبي حامد الغزالي. لكنه حدثٌ وقع بعد ثلاث سنوات من وفاة يوسف بن تاشفين، فقد توفي يوسف سنة 500 هـ، وأحرق الكتاب عام 503 هـ، وتوفي الإمام الغزالي عام 505 هـ، فأغلب ما قيل كان من مصادر الموحديين، حيث أن مؤرخي هذه الدولة عملوا على تهويل عملية إحراق الكتاب من طرف المرابطين، لكن ظاهرة إحراق الكتب كانت عادية ومألوفة في بلاد المغرب والأندلس قبل العهد المرابطي وحتى العهد الموحدي. وعملية إحراق الكتاب تعود، حسب بعض الروايات، إلى المبالغة في الدعوة الروحية وإلى أللانسياق وراء الغيبوبة الصوفية في الوقت الذي كانت تحتاج فيه الدولة المرابطية إلى من يحث الناس على الجهاد ضد الممالك الإسبانية في الأندلس كما تخفي كذلك اضطراب العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة العلمية، كما أن التقاء المصالح بين توجه الدولة وتوجه الفقهاء الذين رأوا من كتاب الغزالي تحاملا كبيرا ضدهم جعلت التصدي للكتاب يكون مشتركا بين الطرفين: الفقهاء في إصدار الفتوى معززة بالحجة والدليل، والدولة باستصدار تلك الفتوى والإشراف على تنفيذها فواجه المتصوفة هذه الفتوى وتحدوا الأمر الأميري، وظلوا على تشبتهم بكتاب «الإحياء»، وتزعمهم في ذلك ابن النحوي. حتى تكرر لفظ «الغزالية» في الكتابات الصوفية المغربية لوصف جماعة الصوفية المقبلة على مؤلفات أبي حامد الغزالي وعلى كتابه "إحياء علوم الدين" بشكل خاص، وتتعصب لأفكاره، وتدافع عنه

ولكبح غضب المتصوفة اعتمدت السلطة المرابطية سياسة التقارب وتبنتها، ومن مظاهرها ظهائر التوقير والاحترام التي كان يبعثها الأمير علي بن يوسف إلى شيوخ بعض الزوايا يلتمس فيه دعاءهم ويتوق للحصول على بركتهم ورضاهم حيث عارضت العديد من الزوايا بشدة إحراق كتاب إحياء علوم الدين، وانعكست هذه المعارضة في عدم حضور شيوخ بعض الطرق، كالطريقة الأمغارية، لاجتماع موسع دعا إليه الأمير علي بن يوسف كافة علماء المغرب قصد مناقشة مسألة إحراق كتاب الإمام الغزاليوكان اجتماعاً أشبه "بمؤتمر" كبير ضم عددا من أقطاب التصوف بالمغرب, من أجل التصالح والتقارب بين السلطة والمتصوفة. ألف أبي العباس الإقليشي منظومة في حادثة إحراق الإحياء، وهي المادة الأدبية الوحيدة المعروفة حاليا التي تؤرخ للحادثة، وكان لها صدى، خصوصا كون المؤلف مفسر للقرآن، وراوي للحديث، ومنظم للمعشرات الزهدية، وتصانيفه في النبي كثيرة، كل هذا ساعده على أن يكون ولياً زاهداً لدى الصوفية، وصوته مسموعاً ورد الأقليشي أسباب نقمة هؤلاء الفقهاء على كتاب "الإحياء" إلى إيثارهم مباهج الحياة الدنيا من خلال توظيف الفقه لتحقيق ذلك، حسب اعتقاده
   
ومَا نَقَمُوا منه سوى أنَّ عِلمَهُ         يُزيحُ على الدُّنيا إلى مَنْزِلِ السَّعْدِ

وشاعر آخر كان معاصراً للأقليشي، وهو ابن البَنِّي، كان قد عرَّضَ بالقاضي ابن حمدين في أبيات فجَّر فيها موقفه من سطوة الفقهاء، وتملكهم زِمَامَ أمور الدولة في عهد علي بن يوسف في أبيات منها]
   
أهل الرِّياءِ لَبِسْتُمُو نَامُوسَكُمْ         كالذِّئِبِ أدلجَ في الظَّلاَمِ العَاتِمِ

وظهر أن بعض هؤلاء المتصوفة، وخاصة متصوفي الأندلس، لديهم أطماع سياسية، كما وقع عند تمرد أحمد بن قسي الأندلسي ومريديه.
الثقافــــة
الأدب
قصيدة لابن قزمان (1160–1078)، الذي يوصف بإمام الزجالين بالأندلس. له أكثر من 149 قصيدة في الزجل الأندلسي.

اتخذ المرابطون من العربية اللغة الرسمية للإدارة والدولة في جميع المناطق التابعة لهم واعتنوا باستجلاب المؤلفين من أهل الأدب والفصاحة من الأندلس إلى المغرب وكان لذلك تأثير في تعريب منطقة المغرب الأقصى التي تأخر تعريبها كثيرا بسبب غلبة العنصر الأمازيغي عليها وطابعها العمراني القروي والفلاحي الذي يكرس العزلة ويعوق التواصل الاجتماعي بين السكان ولم تكن اللغة العربية في المغرب لغة رسمية قبل عصر المرابطين. واستكمل عملية تعريب المغرب هجرة القبائل الهلالية للمغرب في عصر الموحدين. كان لجهود المرابطين في توحيد المغرب والأندلس وما نتج عن ذلك من هجرات متبادلة كلها أمور أسرعت بتعريب المغرب وهيأته لأن يصبح مركزا هاما للعلوم والحضارة خلال القرون التي تلت ذلك العصر. كما اعتنى الأمير يوسف بن تاشفين بوظيفة الكتابة فاستجلب الكتاب من الأندلس إلى المغرب، وقام ابنه علي بتطوير ديوان الرسائل وجلب خيرة الكتاب في ذلك العصر. كما تتكلم بعض الروايات عن عملية ترجمة القرآن إلى اللغة الامازيغية وخطبة الجمعة كانت تلقى باللغات الآمازيغية المتعددة في بعض الاماكن كان عدد المؤلفات الفقهية في مختلف فروع الفقه المالكي كبيرا، وكان الذي يحظى بحظوة عند الخليفة هو من كان يشتغل بعلم الفروع، ويذكر عبد الواحد المراكشي في ذلك
  
المرابطون     ..لم يكن يقرب من أمير المسلمين ويحظى عنده إلا من علم الفروع أعني فروع مذهب مالك، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها..    
  
المرابطون

أفرز العصر المرابطي العديد من الأدباء، من بينهم القاضي عياض السبتي، مفخرة المغرب ورائد الحركة الفقهية، كانت له مشاركات علمية فعالة في علوم كثيرة كالحديث والسيرة والتفسير والأدب واللغة من بينها كتاب التنبيهات المستنبطة على المدونة وكتاب مذاهب الحكام في نوازل الأحكام والشفا بتعريف حقوق المصطفى. كما برز أبو بكر بن العربي القاضي الفقيه والرحالة الأديب الإشبيلي، الذي ألف في الفقه والأصول وبرع في الأدب والشعر‏.‏ والتاريخ، من مؤلفاته العواصم من القواصم، ويعتبر رائد من روَّاد أدب الرحلات، عندما قام بتجريد جانب من رحلتِه: "ترتيب الرحلة للتَّرغيب في الملة"، أسماه: "شواهد الجلَّة والأعيان في مشاهد الإسلام والبلدان وألف ابن بسام كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة الذي عرض فيه جانباً من الحياة الأدبية الأندلسية، وتضمن الكثير من تراجم الشعراء والكتاب والأدباء الأندلسيين. وألف محمد بن الحسن الحضرمي المعروف بالمرادي كتاب الإشارة في تدبير الإمارة إلى زعيم المرابطين الأمير أبي بكر بن عمر وجعله منهاجا فكريا في مجال السلوك السياسي وفي مجال السلوك الأخلاقي وهو من أهم كتب قواعد البروتوكول التي تداولها سلاطين المغرب على مر العصور، وكان المرادي يتمتع بثقافة كلامية أصولية، ولم يكن ذلك معروفا ولا معهودا بين مالكية المغرب، حيث كان من أوائل الأشاعرة الذين حاولوا نشر المذهب بالمغرب بين المالكية. وبعد تخلي الأمير أبي بكر بن عمر عن الملك لصالح يوسف بن تاشفين وعودته إلى الصحراء نهائيا اصطحب معه مجموعة من العلماء من أجل نشر الثقافة الإسلامية وكان الإمام المرادي في طليعتهم.

ومن الأدباء المتقدمين، ابن الصيرفي ، الذي كان من شعراء المرابطين، من مؤلفاته «تقصى الأنباء وسياسة الرؤساء» في وكتاب "«الأنوار الجلية في أخبار الدولة المرابطية»". واشتهر من العلماء الملثمين، أي المرابطين، ابن تقسوط الصنهاجي الذي كان من أعلام مدرسة دانية وخلوف بن خلف الله الصنهاجي الذي ولي قضاء غرناطة،. واشتهرت بعض النساء كتاج النساء بنت رستم، وأم الفتح فاطمة بنت أبي القاسم الشراط، وأم العفاف نزهة بنت أبي الحسين سليمان اللخمي، وفاطمة بنت ابي القاسم عبد الرحمان اللواتي سمع عنهن الكثير، وتخرج على أيديهم الكثير من العلماء.]
الشعر

    مقال تفصيلي: زجل أندلسي، موشح

ازدهر الشعر العربي في عصر الطوائف واتصلت ظاهرته ونتاجها الضخم بعصر المرابطين، فكان لهذين العصرين ازدهارا لم يكن له نظير في العصور التي سبقته، ومن الذين عاصروا المرابطين يحيى بن بقي وابن حمديس الصقلي وابن الزقاق البلنسي وابن عبدون الفهري وابن خفاجة والأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات، وابن قزمان زعيم الزجل الأندلسي، الذي اهتم به المستشرقون حيث يعتبر زجله تمازج الحضارة العربية بالحضارة الأيبيرية. وازدهر فن الزجل بسبب تذوق المرابطين لهذا النوع من الشعر وليس لنفورهم من اللغة الفصحى كما يزعم بعض الباحثين. لأنه رغم انتشار الشعر الشعبي إلا أنه لم يحد من انتشار العلم والمعرفة في أوساط المفكرين، بل إن هذا العصر عرف تجدد الفكر العربي الإسلامي على يد فلاسفة كبار أمثال ابن رشد وابن طفيل، الذين عاصرا المرابطين والموحدين.

كما برز ابن زهر، وشاح الأندلس، الذي تمتع بمكانة رفيعة عند المرابطين، من مؤلفاته كتاب "الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد والأجساد" ويسمى أيضاً "الزينة" بطلب من أمير مرابطي. ومن أشهر الدواوين الشعرية، ديوان ابن خفاجة الذي ضم قصائد متنوعة منها في مدح استرداد مدينة بلنسية من قبضة القشتالين، وأخرى يرثي فيها قريبا له "بأغمات". وديوان أحمد بن أبي هريرة يمدح انتصارات المرابطون ضد النصارى]

وكان للمرأة الأندلسية في عهد المرابطين دور كبير في الحياة الاجتماعية والأدبية بسبب تدخلها في شؤون الحكم. حيث كانت لهن مجالس أدب، وقد لمعت في هذا المجال حواء بنت ابراهيم بن تافلويت و اختها زينب و كذلك تميمة بنت يوسف بن تاشفين. فتوجه إليهن الشعراء مادحين, طالبين للعطاء أو الشفاعة كالأعمى التطيلي وابن خفاجة, وقد التزما بالصدق الاجتماعي في مدحهن فلم ينسبا إليهن ما ليس فيهن. وكان لتصوير الأسرة دور أساسي في هذا الخطاب المدحي, أبرزه مدح التطيلي للأميرة حواء بنت تاشفين، والتي كانت تُعِين الفقراء, بل ساعدت في إصلاح مسجد بلنسية. وهذه ابيات مدح له في سائر الأسرة المرابطية:
  
المرابطون     إِذَا دَعُـوا قَامَتِ الهَيْجَاءُ عَلَى قَدَمٍ وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْهُمْ إِذَا غَضِبُوا

هُمْ ثَبَّتُوا الدِّينَ إِذْ ضَاقَـتْ مَذَاهِبُهُ بِأَنْفُسٍ صِيْغَ مِنْهَا الدِّينُ والحَسَب
حَتَّى اسْتَقَرَّ الهُدَى فِي عُقْرِ دَارِهِمُ وأَيْقَـنَ العُجْمُ أنَّ القَـادَةَ العَرَبُ
   
  
المرابطون

ويتضح من هذه الأبيات حرصه على إبراز أثر المرابطين في توحيد الأندلسيين, بعد زمن كثرت فيه المنازعات والانفصالات والتواطؤات, وكثرت فيه المذاهب الدينية. فما إن قامت دولتهم في هذه البلاد حتى ألَّفت بين القلوب ووحدت المتخاصمين تحت شعار واحد وراية واحدة وهدف واحد. وكون الدولة المرابطية دولة قائمة أساسا على دعوة دينية إصلاحية, كان لابد من ذكر أثر الدين على أفرادها. وقد عرف الشعراء توظيف هذا الأمر في قصائدهم. ويقول ابن خفاجة في تصويره لأسرة الأميرة مريم بنت تفلويت:
  
المرابطون     مِنْ أُسْرَةٍ يَتَلَثَّمُـونَ إِلَـــــى الــــوَغَــــــى يَومَ الحَفِيْظَةِ بِالعَجَاجِ الأَقْتَمِ

مِــنْ بَيْـــــــتِ عِزٍّ مِنْ نِبَـــــــــالٍ حَيْــــثُ لاَ تُلْقَـى بِغَيـرِ مُسَـوَّدٍ ومُعَظَّـمِ
   
  
المرابطون

كما نبغ في هذا العصر أدباء من أبناء المغرب. منهم ابن زنباع و ابن الزيتوني و ابن القابلة السبتي وعبد الله التادلي. وإن عد الشاعر ابن حبوس من حيث التصنيف التأريخي الأدبي موحديا إلا أنه رأى النور بفاس سنة 500هـ، فهو إذن من حيث الواقع الميلادي، مرابطي النشأة والتكوين، حيث كان في عصر المرابطون مقدما في الشعراء، حتى نقلت إلى أمراءها عنه بعض الحماقات، على حد وصف المراكشي في معجبه، فهرب إلى الأندلس. وعند ظهور الموحدين أبدى حماس لدعوتهم، وناصر قضيتم، وأيد مذهبهم في العقائد والكلام، واعتنق مواقفهم العدائية تجاه جمود فقهاء المرابطين
التعليم

اهتم المرابطون بالتعليم ونشره منذ الأيام الأولى التي ارتبطوا بها بدعوة عبد الله بن ياسين واعتنوا بنشره في أنحاء المغرب، وصلت حتى القرى النائية في جبال الأطلس وبدخول الأندلس، تفتحت أمامهم حضارتها التي وجدوا فيها آفاق جديدة في العلم، وبدأوا يتعلمون من الأندلسيين، فاهتموا بتربية وتعليم الأبناء منذ الصغر، وشمل التعليم الأولاد والبنات أيضا، ولم يطرأ أي تغيير على النظام الذي كان معمولا به قبل، إذ كانوا يرسلون أبناءهم إلى المادرس القرآنية الذي يسمونه بالمحضرة أو المسيد، وظل المسجد هو موقعها، وإن لم يكن المسجد فبيت المعلم نفسه، وكان التلميذ هو الذي ينفق على نفسه، وربما ترك عمله الذي يعيش منه من أجل تلقي العلم. وكان يشترط في المعلم ألا يكون عزبا ولا شابا، بل يكون شيخا متدينا، وألا يحضر الجنائز البعيدة كي لا يكثر من البطالة ولا يهمل الصبيان، ويشترط عليه ألا يكثر من عدد الطلاب، حتى يستطيع أن يؤدبهم ويعلمهم، إلا أن الكثير لم يلتزموا بهذا الشرط. والمواد التي كانت تدرس للصغار في المرح



zaara
zaara
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 6998

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المرابطـــــــــون Empty رد: المرابطـــــــــون

مُساهمة من طرف zaara الثلاثاء 25 مارس - 12:23:58

مقال رئيسي: عمارة المرابطين والموحدين

داخل القبة المرابطية. مراكش
القبة المرابطية من الخارج. وهي إحدى البقايا النادرة للعمارة الدينية المرابطية بمراكش وكانت تمثل ملحقة لمسجد علي بن يوسف الذي هدمه الموحدون بعد استيلائهم على المدينة.
المسجد الكبير بالجزائر العاصمة، أكبر وأقدم مساجدها، به نقيشة كتبت على المنبر الخشبي:
«" لما تمم أمير المسلمين أبو تاشفين أيده الله ونصره منار الجزائر (...) ناد المنار المذكور بلسان حاله الحالي: أي منار حاله الحسن كحالي أقام أمير المسلمين تفاحا كساني بها حسنا وتمم بنياني وقابلني بدر السماء وقال لي عليك سلامي أيها القمر الثاني فلا منظر يسبي نفوسا كمنظري ألا فانظروا حسني وبهجة تيجاني فزاد نصر الله حول لوائه رفيقا له تال وجيشا له ثاني]»
"أسوار ماكارينا"، تعد من آثار المرابطين النادرة في إشبيلية. تأخر المرابطين في تأسيس الأسوار لمدنهم، حيث بقيت قاعدتهم الكبرى مراكش لمدة سبعين بلا أسوار حتى اقترب خطر الموحدين، حينها تم تشييد سورها، بالإضافة لمكناس التي لا تفوتنا ملاحظة بناء أسوارها في وسط حصار الموحدين للمدينة

في حقبة المرابطين امتزج فنهم المعماري بالأندلسي المتميز، فأنتج فنًا خليطا بين الطابعين، وإذا كانت الأندلس قد خضعت سياسيا لحكم المغرب فإن المغرب كان "إقليما فنيا أندلسيا"، حيث أحضر بن تاشفين صُناع من قرطبة إلى فاس، فأضافوا إليها فنادق وحمامات وسقايات، وأقام ابنه علي قنطرة تانسيفت في مدخل حاضرة مراكش التي أوكلها لمهندسين أندلسيين فظهر الفن الأندلسي على عاصمة ملك المرابطين مراكش بعد بنائها وتوسيعها، ثم بنـى فيهـا قصره المعروف بدار الحجر، وأحاطه بالأسوار. فتدفقت الحضارة الأندلسية وبدأت تأثيراتها تظهر على المدن المغربية كسبتة وفاس وسلا، كما تجلت روائع الفن المغربي الأندلسي في هذا العصر في الأبنية الدينية كجامع القرويين بفاس وجامع تلمسان وغيره من الجوامع. وتم تغيير شكل القرويين الذي كان على عهد الزناتيين، لكنهم بذلوا أقصى جهدهم في الإبقاء على أصولها الأولى، وذلك باحتفاظهم منذ البدء على تصميم "البلاطات الموازية لجدار القبلة" فصنعوا منبراً جديداً للقرويين خلف منبر الزناتيين تكسو جوانبه الزخارف الهندسية التي رصعت بالصدف الذي زخرفت به آيات من القرآن بالخطين الأندلسي والكوفي
وفي المقابل يبدو الطابع المغربي المميز في بناء الحصون والأسوار والقلاع في الأندلس وظهرت تقنية الترصيع الزخرفي في الأندلس في القرن الثاني عشر في ظل حكم المرابطين حاليا آثار المرابطين نادرة والمتبقي منها لحقه تغيير كبير، خصوصا في المغرب، حتى أنه قد فقد بعضا من أصالته. إلا أن إنجازات المرابطين في المغرب الأوسط بقيت واقفة ومحافظة على شكلها إلى حد ما، إذ تعتبر مساجد كل من الجزائر العاصمة، وتلمسان وندرومة وهي من آثار يوسف بن تاشفين. تتصف جميع المساجد المرابطية بنفس التنظيم المعماري. ومنبر مسجد الكتبية بمراكش تم إنجازه بقرطبة ابتداءا من عام 532هـ/1137م والانتهاء منه في 1147م، بأمر من علي بن يوسف، ويتكون هذا الصرح من قطع قابلة للتفكيك، ورفع فوق عجلات صغيرة، مما يسمح بإخراجه يوم الجمعة بواسطة طريقة آلية. وهو مصنوع من خشب الأرز والصنوبر

أحصى البيذق ما يقرب من عشرين حصنا مرابطيا موزعا في أرجاء المغربأشهرها قصبة الأوداية بناها تاشفين وقلعة زاكورة المرابطية. كما صمموا الأبراج وهي عبارة عن حصن مربع الشكل داخل سور أو منعزل عنها، واثر البرج الأندلسي في تصميمات البرج المغربي منذ عهد المرابطين مع آثار محلية أطلسية وقد استعمل المرابطون الحجارة الطبيعية العادية في بناء الأبراج والقلاع.
العلوم
خريطة العالم تعود للجغرافي الإدريسي (1100-1162)، الذي ولد في المغرب خلال الفترة المرابطية، رسم هذه الخريطة للملك روجر الثاني، ملك صقلية.

نشأت دولة المرابطين في بيئة صحراوية بعيدة عن مركز العمران والحضارة لكنها مع ذلك ما لبثت أن بسطت نفوذها على مناطق عريقة في الحضارة والعلم كإشبيلية وفاس وقرطبة حتى نالت فيها شرعية سياسية ودينية جعلت الكثير من أبناء هذه المناطق ينضوون تحت لوائها ويضعون خبرتهم وعلومهم في خدمتها فدخلت بذلك في مصاف الدول العريقة في الحضارة والتنظيم رغم قول بعض المؤرخين، خصوصا المستشرقين، أن فترة المرابطين كانت عهد التحجر و الجمود ومحاربة العلوم الفلسفية، وهو التوجه الرسمي للدولة، إلا أن عصر المرابطين عرف شيوع العلوم الطبية والفلكية وعلوم اللسان والتاريخ، وعرف ظهور عدد ضخم من الأعلام، كالجغرافي الشريف الإدريسي من مؤسسي علم الجغرافيا والذي اشتهر بموسوعته نزهة المشتاق في اختراق الآفاق والجغرافي أبو عبيد البكري صاحب المسالك والممالك ومعجم ما استُعجِم وصف فيه جغرافية الأندلس وأوروبا وشمال أفريقيا. وفي عهد علي ابن يوسف، كان أحد وزرائه، مالك بن وهيب، على رأس المنجمين والعرافين بأحداث المستقبل، وقد تنبأ بظهور المهدي بن تومرت ونهاية الدولة المرابطية على يديه، وكان هذا الوزير على اطلاع واسع بعلم التنجيم وعلم الهيئة من أعلام المرابطين الرياضياتي والفلكي والفيلسوف والموسيقي ابن باجة، الذي اشتهر في الأدبيات الغربية باسم Avempace. فعندما دخل المرابطون سرقسطة استطاع ابن باجة أن ينال ثقتهم ، واتخذه القائد المرابطي أبو بكر إبراهيم بن تيفاويت كاتبا له. اشتغل بشرح مؤلفات أرسطو والفارابي، وألف كتباً منها "مقال في البرهان "، و"الاسم المسمى"، وكتاب في الهندسة "كلام في الإسطقسات" ومؤلفات في "الرياضة والفلك" ، وكتاباً في "النفس" ، وكتاباً في "التشوق الطبيعي وماهيته" ، وكتاباً في "القوة النزوعية" ، و "رسالة الوداع"، وكتابا عن "اتصال الإنسان بالعقل الفعال" ، وكتاب "تدبير المتوحد" وغيرها كثير. وينسب إليه نوبة الاستهلال التي اكتشف مؤخرا أن النشيد الوطني الإسباني مبني على ألحانها  رغم اتهامات الطبيب أبي العلا بن زهر والأديب الفتح بن خاقان له بالإلحاد والزندقة إلا أن بن باجة بقي وزيرا للمرابطين لمدة عشرين سنة في المغرب، لكن الخلافات التي حصلت بينه وبين الأطباء وكتاب الدولة آلت أمره إلى أن مات مسموماً في فاس وابن زهر المذكور سابقا، يعد أحد أعمدة الطب في الأندلس، ولأعماله أثر كبير في تطور الطب الأوروبي فيما بعد، من مؤلفاته التي ترجمت إلى اللاتينية كتاب التيسير في المداواة والتدبير الذي وصف فيه التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية. وكذلك برز طبيب العيون محمد بن أسلم الغافقي، والطبيب أبو جعفر بن هارون الترجالي، كما نشأ في كنف الدولة المرابطية الرياضياتي والطبيب السموأل بن يحيى المغربي والطبيب موسى بن ميمون.
تعاون ابن باجة مع تلميذه أبو الحسن سفيان الأندلسي (توفي 537 هـ ) في تأليف "كتاب التجربتين

وفي الفلسفة ظهر مالك بن وهيب الذي كان وزيرا لابن يوسف، كما يعتبر ابن باجة أول من اشتغل بنشر علم الفلسفة في المغرب، وبصورة شبه معترف بها رسميا، والتي تميزت بالاختصار المركز والتنسيق والعقلانية لبنائها على ركائز رياضية وطبيعية تعتمد العقل المجرد ودون الالتفات للاعتبارات الأخرى التي استقطبتها الفلسفة الشرقية من حيث اعتماد هذه على الكلام ومجرد الجدل. عاش ابن باجة طفولته ومطلع شبابه في نهاية عصر أمراء الطوائف وبداية دولة المرابطين، الذين تبوأ خلال فترتهم مناصب وزارية وقضائية مهمة، حين عادت الأندلس موحدة سياسيا وتابعة إداريا للمغرب. ثم عايش لحظة انتقالية ثانية من المرابطين إلى الموحدين، إلا أنه لم يشهد انهيار دولة المرابطين، وكانت أدبياته عن العلم الالهي قليلة، وتلك النقطة ستعرضه لاحقا إلى نقد ابن طفيل وابن رشد.

بينما عاصر ابن طفيل مرحلة تفكك دولة الوحدة المرابطية وعايش انهيارها وصولا إلى إعادة توحيدها سياسيا وتنظيميا بقيادة الموحدين. فترة الفيلسوف ابن طفيل انتقالية لكنها أكثر استقرارا من فترة ابن باجه. ويرى المؤرخين المختصين تاريخ الفلسفة الإسلامية أن ابن باجه كان أستاذ ابن طفيل، ورغم نفي الأخير اتصاله أو معرفته به، إلا أن شبهة دراسة ابن طفيل على يد ابن باجه ظلت مثار جدل بسبب غموض تاريخ ولادة ابن طفيل وعدم وضوح نشأته الأولى. فأسماء اساتذته وشيوخه مجهولة، الأمر الذي رجح احتمال الاتصال في فترة نزوح ابن باجه من سرقسطة في سنة 511 هـ 1117م إلى المرية وغرناطة. وفي غرناطة، التي تولى ابن باجه فيها مسئولية وزارية، وربما يكون حصل التعارف بين ابن طفيل وهو شاب صغير والوزير في تلك الفترة القصيرة قبل انتقال ابن باجه إلى إشبيلية ومنها إلى فاس. وبعد مدرسة ابن باجة، المزدوجة بين الدين والعقل، ستأي في عصر الموحدين مدرسة ابن طفيل القائمة على النشوء المرتجل والتطور الطبيعي، ثم يأتي في عصر المرينيين دور مدرسة ابن خلدون الاجتماعية القائلة بأن اختلاف البشر إنما هو نابع عن اختلاف بيئاتهم ومناشئهم.
الاقتصاد

    مقال تفصيلي: الدينار المرابطي، تاريخ الملح

عملة مرابطية تعود لفنرة حكم الأمير أبو بكر بن عمر (1061 - 1087م)
عملة مرابطية تعود لفترة الأمير يوسف بن تاشفين (1061-1106م)
عملة من الدينار الذهبي المرابطي، إشبيلية سنة 1116. (المتحف البريطاني). ظلت العملة المرابطية متربعة على عرش العملات المسيحية المتداولة لمدة طويلة حتى بعد سقوط الدولة المرابطية، بسبب أن الدينار المرابطي كان يضرب من الذهب الخالص الذي كان مصدره دولة غانة التي تَحكم المرابطون في مناجمها وطرق تجارتها، وأدى تراكم الذهب بأيدي المرابطين إلى سك دينار وصلت درجة نقائه إلى 96%، مما جعله مرجعا معتمدا في الأوساط التجارية الدولية آنذاك

عند بداية الدعوة كانت أهم واردات الدولة المرابطية هي الزكاة، والخراج، والجزية، والغنيمة، والفيء، والعشور، و"التطيب" والتخميس، وتوزيع الغنائم على الفاتحين. لكن سرعان ما توقفت هذه السياسة بعد أن تم بناء مدينة مراكش واتخاذها عاصمة للدولة الجديدة، فاتبع سياسيو المرابطين نظاماً مالياً يعتمد على القواعد الإسلامية: إلغاء الضرائب غير المشروعة، التي فرضها الزناتيين سابقا في المغرب، كالمغارم والمكوس، ولم يتم فرض معونة أو خراج. وأسسوا على اثر ذلك بيتاً لأموال المسلمين، وبلغ حجم الأموال من الجباية في الصندوق أرقام لم تعهدها البلاد من قبل.

قبل بداية الدعوة المرابطية، كانت مواطنهم قليلة الأمطار تُحبَسُ عنها لسنوات؛ تجعلهم يرتحلون لطلب الماء والكلأ، فتفرقوا حول الواحات الصغيرة في تلك الصحاري، وكوَّنوا قرى بدائية تتماشى مع ظروف حياتهم الرعوية فعملوا في الزراعة وخاصَّة زراعة الشعير الذي ينبت في الأرض الفقيرة ويكفيه قليل من الماء، وكان النخيلُ أهم أشجارهم، وسجلماسة أهم واحات الصحراء عمرانًا بشجر النخيل, واستفادوا من ظل أشجارها؛ فزرعوا البطيخ والقرع والكوسى والقثاء، وازدهرت في واحة سجلماسة زراعة القطن وقصب السُّكَّر. واهتموا بتربية الحيوانات ، كالإبل، من أجل ألبانها ولحومها وأوبارها وجلودها لصناعة العباءات والألبسة والنعال وأسقف البيوت الصغيرة، كما اهتَمُّوا بتربية البغال والحمير لاستخدامها في النقل المحلي والبقر والغنم والماعز من أجل ألبانها ولحومها وجلودها، كما اهتَمُّوا بتربية النحل، ومارسوا صيد البقر الوحشي. وكان الفائض من إنتاجهم الزراعي والصناعي يُصدَّر إلى خارج بلادهم. ومع صعود المرابطين، تطوَّرت صناعة الأدوات الحربية بسبب الحروب المستمرَّة بينهم وجيرانهم الوثنيين من السودان الغربي وإمبراطورية غانا، واهتَمُّوا بصناعة السروج، واشتهرت تارودانت بصناعة قصب السكر، والمنسوجات والألبسة من الصوف والقطن والوبر, وكانوا يصنعون من ثمار القرع أواني يضعون فيها الملح والبهارات. وكانت أغمات من المدن الخصبة التي تصدر منتجاتها الوافرة من نحاس وأكسية وصوف وزجاج وأحجار وتوابل، ومصنوعات حديدية وغيرها إلى السودان الغربي ومِن أهم معادن بلاد المُلَثَّمين الملح وكانت تصدر على شكل ألواح يُقطِّعُهَا العبيد وتحملُها الجمال إلى بلاد السودان وغانا، وكان الحمل الواحد يُباع في أيوالاتن بعشرة مثاقيل مِن الذهب، أما في مالي فكان يُباع بين عشرين وثلاثين مثقالاً، وكان للملح أهمية الحياة الاقتصادية، حيث كان يقطع قطعًا صغيرة يقايضون به كالذهب والفضة. كما كان ذهب إفريقيا الغربية رائجًا في عهد المرابطين إلى درجة رواج واستعمال الدنانير الذهبية المرابطية في عام 1167م من طرف ملوك أوروبا استطاع اليهود بخبرتهم التجارية تكوين شبكة من الوسطاء للوصول إلى المدن ودور الضرب والأسواق العالمية، خصوصا بعد توحيد المرابطين الأندلس بالمغرب، وكان ليهود درعة وسجلماسة وماسة دورًا محوريًّا في التبادل التجاري بين الغرب الإسلامي والمشرق وممالك أوروبا والغنى الذي تميزت به منطقة ماسة عن باقي مناطق المغرب جعلها قبلة للتجار وبفضل الأسطول المغربي الضخم، استطاع تأمين الطرق التجارية وتوسيعهم لها، الذي ساعد في إقامة نشاط تجاري بين دولتهم وبين البلدان الأوروبية الغربية. وقد استمرت هذه الحركة مزدهرة رغم غارات الإيطاليين على سواحل المغرب الإسلامي، وظلت العملة التي كانت تسلك آنذاك في كطلونِية مُونبِيليه باسم الدينار المنقوش دليلا على قيام تجارة نشيطة بين بلدان الغرب الأوروبي وبين مسلمي الأندلس والمغرب، وقد استحوذ تجار جِنْوَة وبيزة على قدر كبير من تلك التجارة خلال العصر المرابطي ]
المجتمع
بقايا حمامات في قرطبة، تعود لفترة الحكم المستنصر بالله الأموي، تم إعادة استخدامها من قبل المرابطين بعد اصلاحها وتطويرها.

شكـل البربر أو الأمازيغ الغالبية العظمى من سكان بلاد المغرب الذين تأسست على أيديهم دولة المرابطين، وقد شاركهم العرب في الإقامة بالمنطقة منذ بدأت فتوح المسلمين لهذه البلاد، حيث كان المجتمع العربي ممثلا من فصائل بني هلال وحلفائها التي تقدمت من نواحي طرابلس إلى واحة ودان ومن هناك إلى والانة ثم تقدمت نحو السودان فتلاقت مع البربر الآتين من الشمال الغربي. وطرح الأندلسيون فكرة الاستعانة بالعرب الهلالية في عصر الطوائف لإنقاذ الأندلس، لكن هناك من عارض هذا الاقتراح نتيجة لما سمعوه من أخبار التي ألمت بأفريقية نتيجة الغزو الهلالي فخافوا على أموالهم ودورهم وملكهم، ولذلك عدلوا عن هذا الرأي وفضلوا الاستعانة بالمرابطين وبعد أن أنهوا الهلاليين حروبهم في أفريقية والمغرب الأوسط وجدوا في الأندلس مجالا لإفراغ طاقتهم القتالية خاصة و أنهمم وجدوا في المرابطين دولة حرب تشجع على قدوم مثل هذه العناصر لاستعمالها في معاركها بالأندلس واستوطنت بطون كبيرة منهم المغرب الأقصى كالاثبج وجشم ورياح وزغبة عند بداية دولة الموحدين

وشاركهم الأفارقة من جنوب الصحراء بحضور قوي، حيث انضموا إلى جيوش المرابطين، ولم يقتصر استخدامهم على فئة الرجال لوحدهم بل شمل فئة النساء اللواتي تم تستخيرهن للعمل في الخدمات المنرلية أو كجواري للمتعة، حيث أفاضت المصادر في الثناء على محاسنهن. وتشير النصوص إلى استخدامهن كطباخات لمهارتهن فيه و منهن من تألق خاصة في صناعة أنواع مختلفة من الحلويات كالجوزينقات والقطايف وغيرها فبيعت الواحدة منهن بمائة مثقال أو أكثر
وتبوأت المرأة مكانـة محترمة في المجتمع المرابطـي، إذ كانت تشترك فـي مجـالس القبائل الصنهاجية، ولها نفوذ على الرجال لدرجة أن القـادة والأمراء يُلقبون أنفسهم بـأسمـاء أمهـاتهم، فنجد «ابن عـائشة»، و«عبدالله بن فـاطمـة»، و«ابن غانية» وهما من أبرز قادة المرابطين. وأشهر المرابطات على الإطلاق هي زينب النفزاوية التي لعبت دورا أساسيا في عهد يوسف بالمغرب، ووصفها ابن خلدون بأنها «إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة» وكتب عنها ابن الأثير بأنها «كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين» وقال عنها أحمد بن خالد الناصري في الاستقصا وهو يصف علاقتها بيوسف ابن تاشفين «كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب». وحتى الروميات كان لهم دور تحديد السياسة العامة للدولة بعد أن أصبحن يتدخلن في اختيار أولياء العهد. ويرجع الأمر إلى النظام الأمومي، ونتيجة لهذه الحرية وانتشار الجواري شاعت بعض المظاهر المخالفة للأعراف الإسلامية عند طبقة منهن خاصة في اشبيلية. إلى جانب وجود عابدات وناسكات من أمثال زينب بنت عباد بن سرحان.
المسيحيين والمولدين

كانت مواقع انتشار واستقرار النصارى في الأندلس في العصر المرابطي، معظمها في غرناطة واشبيلية وبلنسية والبيرة وبطليوس وطركونة ومالقة  فضلا عن استقرار بعضهم بالبوادي. والراجح أن عددهم كان كثيرا. وكان المولدين، وهم السكان الأصليين المنحدرين من أصل اسباني ممن اعتنقوا الإسلام أو ولدوا من أب مسلم فنشئوا على الديانة الإسلامية أوفر العناصر حركة وأكثرها أهمية في الحياة العامة وفي الفاعلية الاقتصادية للأندلس حيث اشتهر الكثير من المولدين بالقوة والنفوذ والثراء خصوصا في إشبيلية، وامتهنوا مهن متنوعة كتربية الماشية والزراعة في الأرياف، وصيد السمك، أما في المدن فقد زاولوا حرفا مختلفة، واشتغلوا بالتجارة، فكانوا بذلك أكثر العناصر نشاط وأكثرهم تلاؤما مع ظروف الحياة في البلاد الأندلسية]

وصل عدد كبير من النصارى إلى مكانة اجتماعية مرموقة؛ وأصحاب نفوذ وجاه، وحظوا برعاية الدولة خاصة في عهد علي بن يوسف، حتى إن إحدى الوثائق المسيحية أكدت أن تعلُّقه بالنصارى فاق تعلُّقه برعيَّته، وأنه أنعم عليهم بالذهب والفضة وأسكنهم القصور.[351] وشارك النصارى المسلمين في استغلال المرافق الاجتماعية حيث سمح لهم باستقاء المياه مع المسلمين من بئر واحدة، ونظرا للتسامح الديني معهم سمح للنصارى بالخروج مع المسلمين في صلاة الاستسقاء وحرص الأمراء المرابطين على حفظ الحقوق الاجتماعية للنصارى والضرب على أيدي كل من حاول المس بهم. وخصصت لهم الدولة المرابطية مقابر خاصة، تماشيا مع عاداتهم وتقاليدهم في دفن موتاهم وتعرف هذه المقابر باسم «مقابر الذميين».في المقابل تثبت بعض النصوص ما تعرضوا له من تشدد من طرف بعض الفقهاء كالمطالبة بمنع المسيحيات من الدخول إلى الكنائس إلا في أيام الاحتفالات والأعياد وذلك بدعوى أنهن يدخلن إلى الكنائس للأكل والشرب ويقمن بأعمال الدعارة مع القسيسين ورغم أن النصارى كانوا يرتدون لباسا خاصا بهم، إلا أنهم كانوا يلبسون أزياء المسلمين، ورغم مطالبة بعض الفقهاء لهم بالكف عن ذلك، إلا أنهم استمروا في ارتدائها.

ويعد الأمير علي بن يوسف، المولود من أم نصرانية، أول من استخدام الروم وأدخلهم المغرب. حيث لم يقتصر استخدامهم على العمل في الجيش بل تعدى إلى مجالات أخرى كجباية الأموال من سكان الجبال في المغرب. ومن أبرز الأسماء الرومية التي حضيت بمكانة عالية في هرم السلطة المرابطية النبيل الكتلاني ريفيرتير الأول صاحب كونتية برشلونة، الذي كان من المقربين للأمير تاشفين بن علي، حيث ساهم معه في مواجهة الموحدين بالمغرب. واعتنق أحد أبنائه الإسلام، وهو علي بن ريفيرتير، الذي كان من قادة الجيش المرابطي، وبعد انهيار دولة المرابطين انظم لصفوف الموحدين، وشارك معهم في محاربة بنو غانية في مايورقة كما تواجد عنصر الصقالبة، الذين تم استخادمهم كحرس للمرابطين، لكن مصطلح الصقالبة اختفى من معظم المصادر التاريخية خلال العهد المرابطي حيث أصبحت تستعمل بدلها مصطلحات «الروم» و «الحشم» و«العلوج».

ليس من المستبعد أن يكون المرابطين قد اتبعوا نفس النهج الذي سار عليه المسلمين منذ فتح المغرب والأندلس المتمثل في نظام " القماسة" حيث تركت الحرية للمسيحيين بتنظيم شؤونهم المدنية والدينية كيفما شاءوا، حيث يتمتعون بإدارة محلية يختارونها بأنفسهم ويديرها رجال منهم يطلق على كل واحد منهم لفظ قومس، كانوا مسئولين أمام المسلمين عن كل ما يتصل برعاياهم النصارى وكان للنصارى قضاء مستقل عن الدولة خاصا بهم يرأسه قاضي يعرف باسم "قاضي النصارى". إلا أن هذا لم يمنع تعرض البعض منهم لمضايقات وصلت إلى درجة النفي والتشريد، جراء مواقفهم، حيث تطوعت فئة كبيرة منهم لمساعدة الفونسو المحارب عندما توغل في حملة جنوب الأندلس. وبدأ عدد النصارى يتناقص بسبب هجرتهم نحو الممالك النصرانية بعد أن قام الفونسو المحارب بترحيل عدد كبير من الأسر المسيحية. أبرز عمليات تهجير النصارى المعاهدين المستعربين إلى المغرب تمت في شهر رمضان من سنة 519 هـ/ 1125م، الذين اتخذوا من مراكش وسلا ومكناسة وغيرها من بلاد العدوة مستقرا لهم. بعد أن وقع نظر القاضي ابن رشد الجد على تغريب وإجلائ فئة كبيرة منهم عن أوطانهم، بسبب تورطهم في التعاون مع جيش ألفونسو المحارب. كما يعد أسرى الحرب رافدا آخر لتوافد المسيحيين وتواجدهم بأرض المغرب الأقصى، ولضخامة معركة الزلاقة، وصل عدد الأسرى الذين سقطوا في يد المرابطين إلى عشرين ألف، تم نقلهم إلى المغرب الأقصى إن صحت رواية مارمول كاربخال
اليهود
بنيامين التطيلي، رحالة يهودي أندلسي، تنقل بحرية في رحلة زار فيها قرابة 190 مدينة شرقية وأوروبية، وتحول ما دونه في الرحلة إلى مصدر مهم عن الديموغرافيا اليهودية.

لم يؤسس يهود الأندلس مدارسهم المستقلة إلا بعد تعربهم وتشربهم الحضارة العربية الإسلامية، الأمر الذي جعل حلقاتهم العلمية تنفتح بالكامل على هذه الحضارة، على عكس تاريخهم القديم الذي تميز بالسرية والانغلاق نظرا للقمع الذي تعرضوا له على مر الزمان، وأمكنهم ذلك من الإبداع من داخلها، فأنتجوا أهم أدبياتهم الفكرية والأدبية التي تحتل مكان الصدارة حتى العصر الحديث، وتدهور وضعهم بتدهور العالم الإسلامي. وعند دخول المرابطين الأندلس كان نفوذ اليهود كبيرًا، حيث كان عدد كبير منهم يفضلون الاستيطان في مدن أندلسية أو مغربية، لدرجة أنهم كانوا يقولون عن مدينة غرناطة مدينة اليهود أو أليسانة التي كان كل سكانها من اليهود فقط. برز العديد من الحاخامات والشعراء والعلماء العبرانيين كصمويل الفاسي حبر مراكش، الذي اعتنق المسيحية أيام المرابطين، وتسمى بإسم صامويل ماروشيتانيوس (باللاتينية: Samuel Marochitanus) والذي شغل مناصب مرابطية كبيرة، كالمشاركة في بيعة سجلماسة. وابن عزرا الذي برع في الفلسفة وعلم الفلك والرياضيات والشعر واللغة وشرح القوانين التلموذية في 24 مجلد. وإسحاق الفاسي أحد ألمع الأسماء اليهودية، استقر بفاس وأدار بها مركزا يهوديا ضخما، وانتقل بعدها إلى لوسينا، وتلميذه يهوذا اللاوي الطبيب والفيلسوف والشاعر الأندلسي، واشتهر بين علماء اليهود بلا منازع، وإلا يومنا هذا، الفيلسوف والطبيب موسى بن ميمون، الذي تعلم ونشأ في عصر المرابطين، وألف الغالبية العظمى من مؤلفاته باللغة العربية، وتروي بعض المصادر التاريخية أن أسرته اضطرت إلى ترك البلاد بسبب ضغط المرابطين عليهم، وهذا خطأ تاريخي لأن أسرة ابن ميمون لم تغادر الغرب الإسلامي إلا في أوائل عهد الموحدين. وبرز أسماء أخرى كالنحوي والحاخام يوسف قمحي الذي نقل أعمال بن ميمون من العربية إلى العبرية، وإبراهيم بارحيا البرشلوني الذي ساهم في نقل الفكر العربي اليهودي إلى سكان أوروبا النصرانية. وكان الكثير منهم يحتكرون تجارة العبيد والجواري البيض والحرير والتوابل، واختصوا في بعض المهن والحرف، كمهنة الترجمة التي كانت في ذلك العصر تجارة مربحة تدر على أصحابها أموال طائلة، أبرز ممتهنيها كبير النقلة جيراردو الكريموني الذي بدأ العمل أيام المرابطين في طليطلة، واشتهر بترجمة كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة والمجسطي، كما برز يهوذا بن طيبون وهو من أسرة يهودية أندلسية اشتهرت بالترجمة، عُرف بلقب أبا النقلة اليهود. وساهم اليهود في الإدارة والسلطة، وتلقب بعضهم بلقب الوزير في عصر المرابطين، كالشاعر أبو يعقوب سليمان بن المعلم الذي حمل صفة الأمير والوزير، وصاحب النفوذ الكبيرة أبو الحسن أبراهام بن مير بن كامنيال، الذي كان يتزعم اليهود ويحمي مصالحهم، وأبو إسحاق بن مهاجر، ومنهم الوزير سليمان بن فاروسال الذي اغتيل في 2 ماي 1108م، خلال مهمة دبلوماسية إلى الممالك الأسبانية بعد معركة أقليش التي انتصر فيها المرابطون ضد جيوش قشتالة. ومن السياسات المرابطية التي تعتبر ضد اليهود، ظهرت معظمها في أواخر سنوات الدولة المرابطية، بعض الإجراءات الاحتياطية في مراكش التي قام بها علي بن يوسف بمنع اليهود من المبيت في العاصمة ليلا، نظرًا للظرفية السياسية والصراعات الداخلية المتعددة في أكثر من جبهة في المغرب ضد ابن تومرت. وصدرت بعض الفتاوي تؤيد معاقبة اليهود والنصارى الذين يتشبهون بالمسلمين. وأخرى تمنع أهل الذمة من الإشراف على المسلمين في منازلهم، أو بيع الخمر والخنزير في أسواق المسلمين. ونصح ابن عبدون، وهو إشبيلي عاصر المرابطين وألف كتاب في الحسبة، بعدم بيع الكتب العلمية لليهود، لأنهم، حسب قوله، ينتحلون كتب المسلمين في الطب وفي علوم شتى:
   
المرابطون     يجب ألا يباع من اليهود، ولا من النصارى، كتاب علم إلا ما كان من شريعتهم، فإنهم يترجمون كتب العلوم، وينسبونها إلى أهلهم وأساقفتهم، وهي من تواليف المسلمين.]     
   
المرابطون
حكام المرابطين
ترتيب     سنوات الحكم     الاسم
1     1042 - 1043م     يحيى بن إبراهيم
2     1043 - 1055م     عبد الله بن ياسين
3     1055 - 1071م     أبو بكر بن عمر
4     1071 - 1106م     يوسف بن تاشفين
5     1106 - 1143م     علي بن يوسف
6     1143 - 1145م     تاشفين بن علي
7     1145 - 1145م     إبراهيم بن تاشفين
8     1145 - 1147م     إسحق بن علي



zaara
zaara
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 6998

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المرابطـــــــــون Empty رد: المرابطـــــــــون

مُساهمة من طرف الأمير الأحد 18 مايو - 19:11:27

شكرا جزيلا على الموضوع والمجهودات الرائعة وردة  وردة




الأمير
عضو نشيط
عضو  نشيط

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 6081
تاريخ الميلاد : 29/10/1996
العمر : 27

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المرابطـــــــــون Empty رد: المرابطـــــــــون

مُساهمة من طرف ياسمين الأربعاء 26 نوفمبر - 19:16:20

شكرا جزيلا على هذا الموضوع الرائع و يا حبذا لو تتحدثوا عن الولي الصالح المرابط سيدي محند اومالك والموجود ضريحه بمنطقة القبائل الكبرى ، أنا من أحفاده وشكرا مرة اخرى




ياسمين
عضو نشيط
عضو  نشيط

احترام القوانين : 100 %
عدد المساهمات : 158
تاريخ الميلاد : 19/09/2000
العمر : 23

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى